باب فضل الزهدفي الدنيا 6
بطاقات دعوية
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم ، هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط )) رواه مسلم .
ما أهون الدنيا بجوار الآخرة! فلا يقاس فان بباق، ولا يقارن نعيم الآخرة وعذابها بنعيم الدنيا وشدائدها؛ فلا وجه للمقارنة بين دار العمل ودار الجزاء
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يؤتى يوم القيامة بأكثر الناس كان ينعم في الدنيا، وأشدهم نعيما في بدنه وثيابه وأهله وسكنه ومركبه وغير ذلك، ولكنه يكون في الآخرة من أهل النار، فيغمس في النار غمسة واحدة كما يغمس الثوب في الصبغ، ثم يقال له بعد هذه الغمسة: «هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟» وذلك في الدنيا، وفي الكلام مبالغة لا تخفى؛ حيث جاء الاستفهام على مجرد الرؤية والمرور دون الذوق والتمتع والسرور، فيقول: «لا والله يا رب» وهذا نفي مؤكد بالقسم، فتنسيه تلك الغمسة الواحدة كل نعيم ذاقه في الدنيا، مهما طال عمره في نعيم الدنيا، ومهما تمتع بملذاتها وشهواتها؛ فكيف بمن هو خالد مخلد في النار أبد الآبدين؟! والنداء في الجواب وقوله: «يا رب» تذكر العبد ربه لما أنسته شدة العذاب ما مضى عليه من نعيم الدنيا، أو ما بعده من النعيم نظرا إلى مآله وسوء حاله، فأي نعيم آخره الجحيم؟! وأي شدة مآلها الجنة؟!
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يؤتى يوم القيامة بأشد الناس بؤسا من أهل الدنيا، في بدنه وأهله وماله وسكنه وغير ذلك، وهو في الآخرة من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة في نعيمها، فيقال له: «يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط» فيما مضى من الأزمان؟ فيقسم أنه لم ير بؤسا ولا شقاء في الدنيا؛ فنعيم الجنة نعيم دائم سرمدي، وليس له مثيل مما يتنعم به المترفون
وفي الحديث: بيان حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة
وفيه: إشارة إلى أن العاقل من نظر في المآل، لا في عاجل الحال