باب فضل الزهدفي الدنيا 8
بطاقات دعوية
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس كنفتيه ، فمر بجدي أسك ميت ، فتناوله فأخذ بأذنه ، ثم قال : (( أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ )) فقالوا : ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ ثم قال : (( أتحبون أنه لكم ؟ )) قالوا : والله لو كان حيا كان عيبا ، إنه أسك فكيف وهو ميت ! فقال : (( فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم )) رواه مسلم .
قوله : (( كنفتيه )) أي : عن جانبيه . و(( الأسك )) : الصغير الأذن .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في كل المواقف ويضرب لهم الأمثال؛ ليكون أقرب إلى أفهامهم وعقولهم
وفي هذا الحديث يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلا من بعض العالية، والعالية والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة، يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان قد ذهب إلى بعض عوالي المدينة، فرجع منها ودخل السوق، والناس يمشون بجانبه وحوله
فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجدي -وهو الذكر من ولد المعز- وكان ميتا، وصفته أنه «أسك» وهو صغير الأذن أو مقطوع الأذن، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه، ثم سـأل أصحابه رضي الله عنهم: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟» وهذا الاستفهام إرشاد منه صلى الله عليه وسلم وتنبيه، ينبههم صلى الله عليه وسلم على إلقاء السمع للخطاب، فقال الصحابة رضي الله عنهم: «ما نحب أنه لنا بشيء» وهو كناية عن رفضهم له بأقل من الدرهم، وكان الدرهم أقل النقد عندهم حينئذ، «وما نصنع به؟!» أي: إنه لا ينتفع به على أي حال كان؛ لأنه ميت، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم قوله مرة ثانية، فأخبروه أنه لو كان حيا لكان صغر -أو قطع- أذنه عيبا فيه، فكيف يكون السكك فيه (وهو ميت)؟! فهو أحق وأحرى بالعيب إذا كان ميتا، فحينئذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فوالله للدنيا أهون»، أي: لجميع أنواع لذاتها أحقر وأذل على الله من هذا الجدي الأسك الميت؛ فهي ليست بشيء عند الله
وفي الحديث: بيان حقارة الدنيا وهوانها على الله سبحانه وتعالى.
وفيه: بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تحذير أمته من الاغترار بالدنيا؛ لأنها تنسي الآخرة التي هي دار القرار.
وفيه: مس ميتة مأكول اللحم.