باب فضل الغزو فى البحر
حدثنا عبد السلام بن عتيق حدثنا أبو مسهر حدثنا إسماعيل بن عبد الله - يعنى ابن سماعة - حدثنا الأوزاعى حدثنى سليمان بن حبيب عن أبى أمامة الباهلى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل رجل خرج غازيا فى سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل ».
اللهُ سبحانه وتعالى أكرمُ الأكرَمين، وهو يُعْطي عِبادَه مِن خَزائنِ رَحمتِه ما شاء، وقد بشَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم بعضَ الأصنافِ مِن النَّاسِ ببُشرَياتٍ مِن اللهِ تعالى، وهذه البُشريَاتُ مُتنوِّعةٌ
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "ثلاثةٌ كلُّهم ضامِنٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ"، أي: تكَفَّل اللهُ لهم، أو أنَّه في ضَمانِ ما وعَده اللهُ به بالجزاءِ حيًّا وميتًا: أوَّلُ هؤلاءِ الثَّلاثةِ: "رجلٌ خرَج غازِيًا في سبيلِ اللهِ؛ فهو ضامِنٌ على اللهِ حتَّى يتَوفَّاه فيُدخِلَه الجنَّةَ"، أي: حتَّى يُقتَلَ في سبيلِه فيَكونَ حقًّا على اللهِ أن يُدخِلَه الجنَّةَ، "أو يرُدَّه بما نال مِن أجرٍ وغنيمةٍ"، أي: يَنصُرَه اللهُ عزَّ وجلَّ فيَرجِعَه إلى أهلِه وله الأجرُ والغنيمةُ؛ وَذلكَ أنَّ المجاهِدَ في سبيلِ اللهِ طالبٌ لإِحْدى الحُسنيَينِ: الشَّهادةِ، أو الغنيمةِ
والثَّاني: "ورجلٌ راحَ إلى المسجدِ، فهو ضامنٌ على اللهِ حتَّى يتَوفَّاه فيُدخِلَه الجنَّةَ، أو يرُدَّه بما نالَ مِن أجرٍ وغنيمةٍ"، أي: وكذلك الَّذي يَروحُ إلى المسجدِ؛ فإنَّه يَبتَغي فضلَ اللهِ ورِضْوانَه، ومغفرتَه؛ فهو ذو ضَمانٍ على اللهِ ألَّا يُضِلَّ سعْيَه، ولا يُضيعَ أجرَه؛ فإنْ مات ماتَ في سبيلِ الله؛ لأنَّه خرَجَ لعبادةِ الله ولطاعتِه، وإنْ رجَعَ فهو مُحصِّلٌ للأجرِ والغَنيمةِ في الآخِرَةِ، وإنْ حصَل له رِزقٌ في الدُّنيا بسببِ هذا العَملِ الصَّالِح؛ فهو مِن الأجرِ والثَّوابِ المُعجَّل
والثَّالثُ: "ورجلٌ دخَل بيتَه بسَلامٍ فهو ضامنٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ "، وهذا يحتمل أنَّه سلَّم على أهلِه إذا دخَل بيتَه، والمضمونُ به أن يُبارَكَ عليه وعلى أهلِ بيتِه؛ لِمَا ورَد أنَّه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قال لأنسٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "يا بُنيَّ إذا دخَلتَ على أهلِك فسَلِّمْ يكُنْ برَكةً عليكَ وعلى أهلِ بيتِك". ويَحتمِلُ أنَّه يَلزَمُ بيتَه طلَبًا للسَّلامةِ، وهرَبًا مِن الفِتن، ورغبةً في العزلةِ والإقلالِ مِن الخُلطةِ؛ قيل: وهذا أوجَهُ، ولِمُلاءَمةِ ما قبلَه أوفَقُ؛ لأنَّ المُجاهَدةَ في سبيلِ اللهِ سفرًا، والرَّواحَ إلى المسجِدِ حضَرًا، ولُزومَ البيتِ اتِّقاءً مِن الفِتَنِ- أخَذَ بعضُها ببَعضٍ، وعلى هذا فالمضمونُ به هو رِعايةُ اللهِ تعالى إيَّاه وجِوارُه عَن الفِتَنِ
وفي الحديثِ: فضلُ الأعمالِ الصَّالحةِ- كالجهادِ، والذَّهابِ إلى المسجدِ، وطلبِ السَّلامةِ أو إلقاءِ السَّلام- وأنَّها سببٌ لرِعايةِ اللهِ للعَبدِ الصَّالحِ