باب فى فضل من قتل كافرا
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل - يعنى ابن جعفر - عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا يجتمع فى النار كافر وقاتله أبدا ».
للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ فضْلٌ عَظيمٌ، وهو مِن أعظَمِ أسبابِ تَكفيرِ الذُّنوبِ، ومِن رَحمةِ اللهِ وعَدلِه أنَّ المؤمِنَ إذا قتَلَ كافرًا في سَبيلِ الله، فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالَى أكرَمُ مِن أنْ يَجْمَعَ في الآخرةِ بيْن القاتلِ المؤمنِ وبيْن المقتولِ الكافرِ في دارٍ واحدةٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن اثنَيْنِ لا يَجتمِعان في النَّارِ اجتماعًا يَضُرُّ أحدُهما الآخَرَ، فسُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: من هم؟ فقال: مُؤمِنٌ قَتَل كافرًا، والقتلُ يَختَصُّ بالمحارِبِ منهم، وإلَّا فإنَّه مَنهيٌّ عن قتْلِ الكافرِ المعاهَدِ، وظاهرُ الحديثِ أنَّ المرادَ بالمؤمنِ هو المجاهدُ والغازِي في سَبيلِ اللهِ ومَن في حُكمِه ومَعناه، وفي رِوايةٍ لمسْلمٍ: «لا يَجتمِعُ كافرٌ وقاتِلُه في النَّارِ أبدًا»، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «ولا يَجتمعانِ في جَوفِ مُؤمنٍ غُبارٌ في سَبيلِ اللهِ، وفَيحُ جَهنَّمَ»؛ ويَتحقَّقُ ذلك بأنْ لا يَدخُلَ المؤمنُ النَّارَ إطلاقًا، ويَحتمِلُ في قولِه: «اجْتِماعًا يَضُرُّ أحَدُهُما الآخَرَ» أنَّه يَدخُلُها ولكنْ في مَكانٍ لا يَرَاه الكافِرُ؛ حتَّى لا يُعيِّرَه بأنَّه لم يَنْفَعْه إيمانُه ولا جِهادُه، وهذا اجتماعٌ مَخصوصٌ مُستثنًى مِن اجتماعِ الوُرودِ وتَخاصُمِهم على جِسرِ جهنَّمَ
وقولُه: «ثُمَّ سدَّد»، أي: عاشَ هذا المؤمن على السَّدادِ والاستِقامَةِ في الدِّينِ، والمُداوَمةِ على الإسلامِ إلى الموتِ، واجتنابِ الموبِقاتِ الَّتي لا تُغفَرُ إلَّا بالتَّوبةِ، والتَّخلُّصِ مِن حُقوق الآدميِّين، فأصبَحَ مُلازِمًا للطَّاعاتِ والعملِ الصَّالحِ، فيُثبِتُ له هذا السَّدادُ دُخولَ الجنَّةِ والبُعدَ عن النَّارِ. وقيل: مَقصودُ هذا الحديثِ الإخبارُ بأنَّ قتْلَ الكافرِ يُكفِّرُ ما مَضى مِن ذُنوبِ المؤمنِ الَّذي قَتَل هذا الكافرَ كلِّها كَبائرِها وصَغائرِها دُونَ ما يُستقبَلُ منها، فإنْ ماتَ المؤمِنُ القاتلُ للكافرِ عن قُربٍ أو بعْدَ مُدَّةٍ، وقدْ سَدَّد في تلك المُدَّةِ؛ لم يُعذَّبْ، وإنْ لم يُعذَّبْ أُخِذ بما جَناهُ بعْدَ ذلكَ لا بما قبْلَه؛ لأنَّه قدْ كُفِّرَ عنه