باب فضل خديجة رضي الله عنها2
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة، وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما ماتت، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب»: هذا حديث صحيح من قصب قال: إنما يعني به قصب اللؤلؤ "
وفي هذا الحديثِ تقولُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ما حَسدْتُ امرأةً ما حَسَدتُ خَديجةَ" تقصِدُ ما حَسدتُ أحدًا مِن نساءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثلَما حَسَدتُ خَديجةَ؛ لعِظَمِ حُبِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها، ولكَثرةِ فَضائِلها؛ وقدْ كانتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها حِبَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ نِسائِه بعدَ خَديجةَ رضِيَ اللهُ عنها، وكانتْ تَفخَرُ بذلك وتتمايزُ به بيْن النِّساءِ، والمرادُ بالحَسَدِ، هنا -كما جاء في بعضِ الرِّواياتِ-: الغَيرةُ التي تنشأُ عِندَ الزوجاتِ، والغِبطةُ كذلك وهي تمنِّي المرءِ النِّعمةَ التي عِند غيرِه، من غَيرِ تمنِّي زَوالِها عنه، وهي بهذا تكونُ في الخَيرِ، وإلَّا فإنَّ الحَسدَ في الأصلِ صِفةٌ مَذمومةٌ لا تَليقُ بمَن هُم مِن بيْتِ النُّبوَّةِ، ومَنشأُ هذه الغَيرةِ والغِبطَةِ أمرانِ؛ أولًا: أنَّ النبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كثيرًا ما كان يَذكُرُها ويَذكُر فضْلَها.
قالتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها مُفسِّرةً ذلِك: "وما تزَوَّجني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا بعدَ ما ماتتْ"، وهذا تأكيدٌ على فضْلِها وحُبِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنَّه لم يَتزوَّجِ امرأةً أُخرَى في حَياةِ زَوجتِه خديجةَ رضِي اللهُ عنها، كما جاء في صحيحِ مُسلمٍ، وهذا دَليلٌ على عِظَمِ قدْرِها عندَه وعلى مَزيدِ فضْلِها؛ لأنَّها أَغنَتْه عَن غَيرِها، وَاختصَّتْ به بِقدْرِ ما اشتَركَ فيه غيرُها مرَّتين؛ صونًا لقلبِها مِنَ الغَيرةِ ومِنْ نَكَدِ الضَّرائرِ، الَّذي رُبَّما حصَلَ له هو منه ما يُشوِّشُ عليه بذلكَ، وهي فضيلةٌ لَمْ يُشاركِهْا فيها غيرُها.
وفي الحديث: فضْلُ أمِّ المؤمنينَ خَديجةَ رضي اللهُ عنها، وتَبشيرُها بالجَنَّةِ.
وفيه: ثُبوتُ الغَيرةِ وأنَّها غيرُ مُستنكَرٍ وُقوعُها مِن فاضِلاتِ النِّساءِ فضلًا عمَّنْ دُونهنَّ.