باب فى إحياء الموات

باب فى إحياء الموات

حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن كلثوم عن زينب أنها كانت تفلى رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات وهن يشتكين منازلهن أنها تضيق عليهن ويخرجن منها فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تورث دور المهاجرين النساء فمات عبد الله بن مسعود فورثته امرأته دارا بالمدينة.

( أَنَّهَا كَانَتْ تُفْلِي ) : فِي الْقَامُوسِ : فَلَى رَأْسُهُ بَحَثَهُ عَنِ الْقَمْلِ ( أَنَّهَا تَضِيِقُ عَلَيْهِنَّ وَيُخْرَجْنَ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( مِنْهَا ) : أَيْ مِنَ الْمَنَازِلِ 
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ : إِذَا مَاتَ زَوْجُ وَاحِدَةٍ فَالدَّارُ يَأْخُذُهَا الْوَرَثَةُ وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَهِيَ غَرِيبَةٌ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ فَلَا تَجِدُ مَكَانًا آخَرَ فَتَتْعَبَ لِذَلِكَ انْتَهَى ( فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوَرَّثَ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِشِدَّةِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ ( دُورُ الْمُهَاجِرِينَ ) جَمْعُ دَارٍ مَفْعُولُ تُوَرَّثُ ( النِّسَاءَ ) : نَائِبُ الْفَاعِلِ أَيْ نِسَاءَ الْمُهَاجِرِينَ فَلَا تَخْرُجُ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ دَارِ أَزْوَاجِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بَلْ تَسْكُنُ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْرِيثِ وَالتَّمْلِيكِ 
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ فَتَأَوَّلُوهَا عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَقْطَعُهُمُ الْعَرْصَةَ لِيَبْنُوا فِيهَا الدُّورَ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصِحُّ مِلْكُهُمْ فِي الْبِنَاءِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي الْعَرْصَةِ 
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقَطَعُوا الدُّورَ عَارِيَةً ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرُوزِيُّ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ الْمِلْكُ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي إِلَّا فِي مَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مَالِكًا لَهُ ، وَقَدْ وَضَعَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ 
 وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا إِنَّمَا أَحْيَوْا تِلْكَ الْبِقَاعَ بِالْبِنَاءِ فِيهَا إِذْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ قَبْلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ 
وَقَدْ يَكُونُ نَوْعٌ مِنَ الْإِقْطَاعِ إِرْفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ ، وَذَلِكَ كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَنَازِلِ فِي الْأَسْفَارِ فَإِنَّمَا يُرْتَفَقُ بِهَا وَلَا تُمْلَكُ ، فَأَمَّا تَوْرِيثُهُ الدُّورَ لِنِسَاءِ الْمُهَاجِرِينَ خُصُوصًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ بِالدُّورِ لِأَنَّهُنَّ بِالْمَدِينَةِ غَرَائِبَ لَا عَشِيرَةَ لَهُنَّ بِهَا ، فَحَازَ لَهُنَّ الدُّورَ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ 
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرٌ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الدُّورُ فِي أَيْدِيهِنَّ مُدَّةَ حَيَاتِهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْفَاقِ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمِلْكِ كَمَا كَانَتْ دُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحُجَرِهِ فِي أَيْدِي نِسَائِهِ بَعْدَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : نَحْنُ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ . وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ 
وَحَكَى صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنِ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى إِقْطَاعًا إِذَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ ، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ مِنَ الْفَيْءِ وَلَا يُقْطَعُ مِنْ حَقِّ مُسْلِمٍ وَلَا مَعَاهِدٍ . قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكًا وَغَيْرُ تَمْلِيكٍ ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ إِقْطَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ 

قَالَ الْحَافِظُ : كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ الدُّورَ يَعْنِي أَنْزَلَ الْمُهَاجِرِينَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ بِرِضَاهُمْ . انْتَهَى .