باب فى الأسير يكره على الكفر
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم وخالد عن إسماعيل عن قيس بن أبى حازم عن خباب قال أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة فى ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا فجلس محمرا وجهه فقال « قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له فى الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون ».
أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم يأتي بعدهم المؤمنون؛ فالمرء يبتلى على قدر دينه، ولما كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من أكمل الناس بعد الأنبياء، كان بلاؤهم شديدا، ومحنتهم عظيمة، وقد أراد الله لهم ذلك؛ ليمحصهم ويرفع درجاتهم في الآخرة، وكان خباب بن الأرت رضي الله عنه من أشد الصحابة تعرضا للعذاب في مكة في بداية البعثة النبوية، فيحدث أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه وهو نائم متوسد بردة في ظل الكعبة، أي: جعل تحت رأسه بردة، وهي كساء أسود مربع، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم، ويسأله النصر والعز والمنعة، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن ما هم فيه ليسوا مختصين به من الأمم، بل كان المؤمنون فيمن قبلنا في الأمم السابقة يعذبون أيضا، وكان من طرق تعذيبهم أن يحفر له في الأرض، ثم يؤتى به، فيجعل في تلك الحفرة، فيجاء بالمنشار -وهو آلة قطع الأخشاب- فيوضع على رأسه، فيشق نصفين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه؛ وذلك لقوة إيمانهم، وتصديقهم لأنبيائهم، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أن يعرفهم بمقدار ما كان يلاقيه غيرهم من المؤمنين؛ ليثبتوا على ما هم فيه، ويصبروا على البلاء، ثم بشرهم صلى الله عليه وسلم بنصر الله لهم، وأن الله تعالى سيكتب النصر لأهل الإسلام حتى يعبد الله تعالى فيما حولهم من الأرض، فيسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت -وهما مدينتان باليمن- لا يخاف شيئا إلا الله تعالى، أو يخاف أن يأكل الذئب غنمه، أما المشركون فلا يخاف منهم؛ لأنهم إما أن يكونوا دخلوا في الإسلام، أو غلبوا، وصاروا أذلة، ولكنكم تستعجلون نصر الله المحقق
وفي الحديث: علامة من علامات النبوة، حيث وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تمام الدين، وانتشار الأمن، وإنجاز الله ما وعد نبيه صلى الله عليه وسلم من ذلك