باب فى التشديد فى جباية الجزية
حدثنا سليمان بن داود المهرى أخبرنا ابن وهب أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام وجد رجلا وهو على حمص يشمس ناسا من النبط فى أداء الجزية فقال ما هذا سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا ».
حذر الله عز وجل من عاقبة الظلم، وأمر الولاة والأمراء ببذل العدل والخير في الرعية، والحرص على إيصال الخير فيهم، والأخذ على يد قويهم، والتجاوز عن ضعيفهم
وفي هذا الحديث يروي التابعي عروة بن الزبير أن الصحابي هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه مر على أناس من «الأنباط» بأرض الشام، والأنباط هم فلاحو العجم، أصلهم من العرب، لكنهم دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم؛ سموا بذلك لمعرفتهم بأنباط الماء واستخراجه؛ لكثرة معالجتهم الفلاحة، فرآهم هشام بن حكيم رضي الله عنه قد أوقفوا في الشمس، فسأل عن أمرهم الذي أوقفوا بسببه، فأجابوه بأنهم حبسوا في الجزية، وفي رواية عند مسلم: أنهم «قد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج» أي: لعدم دفعهم الخراج أو الجزية، وهي ما يفرض على أهل الذمة من مال مقابل عدم قتالهم، والدفاع عنهم ودخولهم في حماية المسلمين، وظاهره: أنهم امتنعوا من الجزية مع التمكن من دفعها، فعوقبوا لذلك، فأما من تبين عجزهم، فلا تحل عقوبتهم بذلك، ولا بغيره؛ لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه، فقال هشام رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا»، أي: ظلما بغير حق؛ فلا يدخل فيه التعذيب بحق، كالقصاص والحدود والتعزير ونحو ذلك، وفي رواية: أن أميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه هشام بن حكيم رضي الله عنه، فحدثه بهذا الحديث ووعظه، فأمر بهم فخلى سبيلهم وأطلق سراحهم من الشمس، فانطلقوا إلى بيوتهم، وطبق عليهم قانون الشريعة {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 280]
وفي الحديث: النهي عن تعذيب الناس حتى الكفار بغير موجب شرعي
وفيه: استجابة الولاة لنصيحة العلماء، وسرعة أخذهم بها وقيامهم بما تضمنته
وفيه: ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الصدع بالحق عند ولاة الأمور