باب فى الخليفة يستخلف

باب فى الخليفة يستخلف

حدثنا محمد بن داود بن سفيان وسلمة قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر قال قال عمر إنى إن لا أستخلف فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدا وأنه غير مستخلف.

الولاية العامة على المسلمين أمرها عظيم؛ فبها يعتدل أمر الناس في دينهم ودنياهم، وتصلح أحوالهم بدفع الأعداء، ونشر الدين، وإصلاح الدولة، ورعاية الناس
وفي هذا الأثر يروي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على أخته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وكان ذلك بعدما طعن عمر رضي الله عنه، وهي الطعنة التي كانت فيها موته، وكان خليفة للمسلمين حينئذ، فقالت حفصة لأخيها عبد الله رضي الله عنهما: «أعلمت أن أباك غير مستخلف»، أي: لن يعين خليفة يعقبه ويتلوه في الحكم؟ فأجابها: ما كان ليفعل ويترك الاستخلاف، فأكدت عليه ما قالت، فحلف لها أنه سيكلمه في ذلك، ويراجعه في أمره هذا، ولكنه سكت عن تكليمه في هذا اليوم، حتى كان في اليوم التالي ولكنه لم يكلمه أيضا هيبة منه، ومن ثقل هذه المهمة قال ابن عمر عن نفسه: «فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا» من الهم والخوف، فكان يشق عليه أن يتكلم عند أبيه عمر رضي الله عنه في هذا الأمر، ولم يزل ابن عمر رضي الله عنهما على تلك الحال، حتى رجع إليه ثانيا، فدخل عليه، فسأله عمر رضي الله عنه عن حال الناس، فأجابه، ثم قال عبد الله لأبيه عمر: «إني سمعت الناس يقولون مقالة» يتحدثون بها فيما بينهم، «فآليت» أي: حلفت أن أقولها لك وأن أسألك عنها؛ وذلك أنهم ظنوا أنك لن تحدد شخصا يقوم بأمور الناس بعدك ويكون خليفة لهم، وأنا أقول لك يا أبي: «إنه لو كان لك راعي إبل -أو راعي غنم- ثم جاءك وتركها» دوان راع بعده «رأيت أن قد ضيع الأمانة»؛ لأنه ترك تلك المواشي ضائعة يأكلها السباع ويأخذها من شاء، والمراد: هل تؤاخذ الراعي بأنه ضيع المواشي بتركها بلا راع، فـكذلك «رعاية الناس» وإصلاح أمورهم «أشد» وأهم من رعاية المواشي، فكيف تترك الناس فوضى بلا خليفة من بعدك يقوم بسياستهم وتدبير شؤونهم؟ فلما سمع عمر قول ابنه، وافقه عليه، وأعجبه، ثم بدأ يفكر فيه، فوضع رأسه وقتا قليلا ليفكر ويرد عليه بالجواب، ثم رفع رأسه، وفقال له: «إن الله عز وجل يحفظ دينه» فلا يضيعه، وهذا يعني أن الفرق بين ما ذكرت من قضية الراعي وبين قضيتنا: أن صاحب الغنم لا يقدر على حفظها إذا تركها الراعي لغيبته عنها، ولكن الله سبحانه يحفظ دينه، وإني تركت الاستخلاف لما وعد به من ذلك في قوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} [التوبة: 33]، كما أن لي في عدم الاستخلاف أكبر أسوة وأعظم احتجاج؛ وهو فعله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: «وإني لئن لا أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف» فلي أسوة حسنة في ذلك، «وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف» ولي فيه قدوة أيضا، فحلف ابن عمر أنه لما سمعه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، علم من ذكره لهما «أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا»؛ لأنه عنده أعظم من كل عظيم، وعلم من كلامه أنه غير مستخلف، وسلك عمر رضي الله عنه طريقا بين الطريقتين جمعت له الاقتداء بهما؛ فاقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لم ينص على واحد بعينه، فصدق عليه أنه غير مستخلف، واقتدى بأبي بكر رضي الله عنه من حيث إنه لم يترك أمر المسلمين مهملا؛ فإنه جعل الأمر شورى في ستة من الصحابة رضي الله عنهم ممن يصلح للخلافة، وفوض التعيين لاختيارهم، فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه
وفي الحديث: فضيلة عمر رضي الله عنه
وفيه: بيان حكمة ابن عمر رضي الله عنهما وحسن أسلوبه