باب فى الشرب قائما

باب فى الشرب قائما

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا دعا بماء فشربه وهو قائم ثم قال إن رجالا يكره أحدهم أن يفعل هذا وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل مثل ما رأيتمونى أفعله.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا "

وَفِيهِ أَيْضًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا: فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ "

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ "

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ " فَحَلَفَ عِكْرِمَةُمَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ "

فَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: فَقَوْمٌ سَلَكُوا بِهَا مَسْلَكَ النَّسْخِ وَقَالُوا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّرْبُ قَائِمًا، كَمَا شَرِبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ شَرِبَ قَائِمًا لِعُذْرٍ،  وَقَدْ حَلَفَ عِكْرِمَةُ: أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ رَاكِبًا، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ قِصَّةُ عَيْنٍ، فَلَا عُمُومَ لَهَا

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ قَائِمًا، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ "

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ

وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ، فَقَطَعْتُ فَاهَا، فَإِنَّهُ لَعِنْدِي "

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْوَقَائِعُ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا قَائِمًا كَانَ لِحَاجَةٍ، لِكَوْنِ الْقِرْبَةِ مُعَلَّقَةً وَكَذَلِكَ شُرْبُهُ مِنْ زَمْزَمَ أَيْضًا لَعَلَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْقُعُودِ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ أَوْ لِزِحَامٍ وَغَيْرِهِ

وَبِالْجُمْلَةِ: فَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْكُلُ وَنَحْنُ  نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَلَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى النَّسْخِ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: مُقَاوَمَتِهِ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ فِي الصِّحَّةِ، وَبُلُوغِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَأَخُّرِهِ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ حِكَايَةُ فِعْلٍ، لَا عُمُومَ لَهَا، فَإِثْبَاتُ النَّسْخِ بِهَذَا عَسِيرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ