باب فى الكى
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبى الزبير عن جابر أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كوى سعد بن معاذ من رميته.
( كوى سعد بن معاذ ) : قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الجمع بينهما أن الكي تارة يكون عند قيام أسبابه والداعي إليه فهذا يترجح فعله على تركه لما فيه من نفي الضرر عن المكوي وتارة يكون مع عدم تحقق أسبابه كما يحكى عن الترك أنهم يفعلون ذلك ليزعجوا الطبيعة فلا يصل الداء إلى الجسد فهذا يترجح تركه على فعله لما فيه من الضرر العظيم العاجل مع إمكان الاكتفاء بغيره فهذا هو المنهي عنه كذا في مرقاة الصعود
وقال الخطابي : إنما كوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ليرقى الدم عن جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك والكي يستعمل في هذا الباب وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء ويقال في أمثالها آخر الدواء الكي , والكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه المذكور في حديث أسامة بن شريك الذي روينا في الباب الأول
فأما حديث عمران بن حصين في النهي عن الكي فقد يحتمل وجوها : أحدها أن يكون ذلك من أجل أنهم يعظمون أمره يقولون آخر الدواء الكي ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه فإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهكذا فنهاهم عن ذلك إذا كان العلاج على هذا الوجه وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على الله سبحانه وطلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله عز وجل من صنعه فيه ويجلبه من الشفاء على أثره فيكون الكي والدواء سببا لا علة , وهو أمر قد يكثر شكوك الناس وتخطئ فيه ظنونهم وأوهامهم فما أكثر ما سمعهم يقولون لو أقام فلان بأرضه وبداره لم يهلك ولو شرب الدواء لم يسقم ونحو ذلك من تجرير إضافة الأمور إلى الأسباب وتعليق الحوادث بها دون تسليط القضاء عليها وتغليب المقادير فيها فتكون تلك الأسباب أمارات لتلك الكوائن لا موجبات لها , وقد بين الله سبحانه ذلك في كتابه فقال { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } وقال تعالى حكاية عن الكفار { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم }
وفيه وجه آخر وهو أن يكون نهيه عن الكي هو أن يفعله احترازا من الداء قبل وقوع الضرورة ونزول البلية وذلك مكروه , وإنما أبيح العلاج والتداوي عند وقوع الحاجة ودعاء الضرورة إليه ألا ترى أنه إنما كوى سعدا حين خاف عليه الهلاك من النزف
وقد يحتمل أن يكون إنما نهى عمران خاصة عن الكي في علة بعينها لعلمه أنه لا ينجع ألا تراه يقول فما أفلحنا ولا أنجحنا , وقد كان به الباصور ولعله أن ما نهاه عن استعمال الكي في موضعه من البدن لأن العلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورا والكي في بعض الأعضاء يعظم خطره وليس كذلك في بعض الأعضاء فيشبه أن يكون النهي منصرفا إلى النوع المخوف منه والله أعلم
( من رميته ) : بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء
قال ابن الأثير : الرمية الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيها سهمك , وقيل هي كل دابة مرمية.
وقال الجوهري : الرمية الصيد يرمى انتهى
والمعنى أن الجراحة التي أصابت لسعد بن معاذ من أجل العدو الرامي في أكحله كواها النبي صلى الله عليه وسلم
قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم ولفظه " رمي سعد بن معاذ في أكحله قال فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية " وأخرجه ابن ماجه ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين "