باب فى جلود النمور والسباع

باب فى جلود النمور والسباع

حدثنا مسدد بن مسرهد أن يحيى بن سعيد وإسماعيل بن إبراهيم حدثاهم - المعنى - عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن جلود السباع.

كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون الحق، ولا يخافون في الله لومة لائم، وقد ضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة، وفي قول الحق
وفي هذا الحديث يقول خالد بن معدان: "وفد"، أي: قدم، "المقدام بن معدي كرب" الكندي الصحابي المشهور رضي الله عنه، "وعمرو بن الأسود" العنسي تابعي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، لكنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، "ورجل من بني أسد من أهل قنسرين"؛ بلدة بقرب حلب بالشام، "إلى معاوية بن أبي سفيان"؛ في حين إمارته وملكه، والوفد جمع وافد؛ وهم الذين يقصدون الأمراء للزيارة أو ليسلموا عليهم ويبايعوهم
"فقال معاوية للمقدام: أعلمت"- بهمزة الاستفهام- أي: هل علمت، "أن الحسن بن علي" ابن أبي طالب رضي الله عنهما، "توفي؟"، أي: مات، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة 49 من الهجرة، "فرجع المقدام"، أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، "فقال له رجل"؛ لعله معاوية أو غيره، "أتراها مصيبة؟"، أي: هل تعدها وتحسبها مصيبة وابتلاء، "قال له" المقدام: "ولم لا أراها مصيبة؟"، أي: ما الذي يمنعني أن أراها كذلك؟ "وقد وضعه"، أي: الحسن، "رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجره"؛ لمحبته له، فقال: "هذا مني"، أي: الحسن؛ لأنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في خلقه وخلقه، "وحسين من علي"؛ لأنه كان يشبه علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع
"فقال الأسدي" عن الحسن بن علي؛ ليرضي معاوية ويتقرب له: "جمرة أطفأها الله عز وجل"، أي: أخمدها وأزال شرر شرورها وفتنتها، "قال"؛ خالد بن معدان راوي الحديث: "فقال المقدام"؛ حين سمع ما قاله الأسدي في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمراعاة معاوية بن أبي سفيان، "أما أنا فلا أبرح"، أي: لا أزال، "اليوم حتى أغيظك"، أي: أغضبك وأسخطك يخاطب بذلك معاوية، "وأسمعك ما تكره" أي: من الإنكار وما شابه، ثم قال: "يا معاوية، إن أنا صدقت فصدقني"؛ في قولي، "وإن أنا كذبت"؛ في قولي،" فكذبني، قال"؛ معاوية: "أفعل"، أي: سأفعل ما قلت لي، "قال"؛ المقدام: "فأنشدك"، أي: أسألك رافعا نشيدي وهو صوتي، "بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى الرجال، عن لبس الذهب؟ قال"؛ معاوية اللهم، نعم، "قال"؛ المقدام: "فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى الرجال، عن لبس الحرير؟ قال"؛ معاوية: "نعم، قال"؛ المقدام: "فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن لبس جلود السباع والركوب"، أي: الجلوس، "عليها؟ قال"؛ معاوية: "نعم، قال"؛ المقدام: "فوالله، لقد رأيت هذا كله"، أي: لبس الحرير والذهب للرجال، ولبس جلود السباع والجلوس عليها، "في بيتك يا معاوية"، أي: على أهلك، فقال معاوية: "قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام"! لأن كلامك صحيح وحق
وقيل: إن الذي قصده المقدام في حق معاوية هو ما وجده في حاشيته وبعض من هو من أهل بيته، ومعلوم أن معاوية رضي الله عنه لا يقر هذا ولا يرضاه، وقد يكون غافلا عنه، وقد يكون علمه ونهى عنه، والواجب أن يحمل ما جاء عن الصحابة من قبيل هذا على أحسن المحامل من باب إحسان الظن بهم رضي الله عنهم
"قال خالد" بن معدان: "فأمر له"، أي: أمر، "معاوية" للمقدام بعطاء، "بما لم يأمر لصاحبيه"؛ اللذين وفدا معه؛ وهما عمرو بن الأسود والرجل الأسدي، "وفرض لابنه"، أي: لابن المقدام، "في المئتين"، أي: كتب اسمه في الديوان في الذين لهم عطاء مقدر فوق المائتين من الدراهم، "ففرقها المقدام"، أي: ما أعطاه معاوية من المال، "على أصحابه"؛ الحاضرين معه، "قال" خالد بن معدان: "ولم يعط الأسدي أحدا شيئا مما أخذ"، أي: من العطاء الذي أخذه من معاوية، "فبلغ ذلك معاوية"، أي: بلغه أن المقدام فرق المال على أصحابه وأن الأسدي لم يفرق شيئا، "فقال" معاوية رضي الله عنه: "أما المقدام"؛ بن معدي كرب، "فرجل كريم بسط يده"؛ بالعطاء، "وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه"، أي: حسن الإمساك للشيء الذي أعطيه ليصرفه بعد ذلك في مهماته
وفي الحديث: كرم الصحابة رضي الله عنهم، وبسط أيديهم
وفيه: شجاعة الصحابة رضي الله عنهم في قول الحق؛ فلا يخافون في الله لومة لائم
وفيه: أن صاحب البيت مسؤول عما فيه من منكرات إن وجدت