باب فى زكاة السائمة
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكى عن يحيى بن عبد الله بن صيفى عن أبى معبد عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن فقال « إنك تأتى قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد فى فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ».
من فقه الداعية إلى الله تعالى مراعاة الأولويات، والتدرج في دعوته؛ حتى يصل بمن يدعوهم إلى الالتزام التام بأوامر الله عز وجل، وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربى عليه أصحابه
وهذا الحديث أصل عظيم في هذا الباب، حيث يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن -وكان قد أرسله سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة- يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، ويقبض الصدقات؛ قال له: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب»، وكانوا على النصرانية حينئذ، وأوصاه أن يبدأ دعوته إياهم بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؛ لأن بها يدخل المرء في الإسلام، وبدونها يظل على الكفر، فلا يخاطب بغيرها من شرائع الإسلام. ثم بين له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه بعد ذلك فقال: «فإن هم أطاعوا لك بذلك» ودخلوا الإسلام بنطقهم الشهادتين، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات (الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء) في كل يوم وليلة؛ وذلك لأن الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادة، وأول ما يحاسب عليه المسلم، ثم قال: «فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة»، والمقصود بها هنا زكاة المال؛ وهي عبادة مالية واجبة في كل مال بلغ النصاب وحال عليه الحول -وهو العام القمري (الهجري)- فيخرج منه ربع العشر، وأيضا يدخل فيها زكاة الأنعام والماشية، وزكاة الزروع والثمار، وعروض التجارة، وزكاة الركاز، بحسب أوقاتها وأنصبتها المقدرة شرعا، ومصارف الزكاة قد بينها القرآن في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله} [التوبة: 60]، قال صلى الله عليه وسلم: فإن هم أطاعوا لك بذلك «فإياك وكرائم أموالهم»، أي: فينبغي ألا يأخذ في الزكاة نفائس الأموال وأفضلها عندهم، بل يأخذ من أواسط المال؛ حتى تطيب نفس المزكي لذلك، والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك
ثم أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتجنب الظلم؛ لئلا يدعو عليه المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والعلة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم، ثم بين له رسول الله صلى الله عليه وسلم خطر دعوة المظلوم بقوله: «فإنه ليس بينه وبين الله حجاب»، يعني: إنها مسموعة مستجابة لا ترد
وفي الحديث: الدعاء إلى التوحيد قبل القتال
وفيه: توصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها
وفيه: التحذير من الظلم.