باب فى من يغزو ويلتمس الدنيا
حدثنا أبو توبة : الربيع بن نافع عن ابن المبارك عن ابن أبى ذئب عن القاسم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن مكرز - رجل من أهل الشام - عن أبى هريرة : أن رجلا قال : يا رسول الله رجل يريد الجهاد فى سبيل الله وهو يبتغى عرضا من عرض الدنيا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « لا أجر له ». فأعظم ذلك الناس وقالوا للرجل : عد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلعلك لم تفهمه. فقال : يا رسول الله رجل يريد الجهاد فى سبيل الله وهو يبتغى عرضا من عرض الدنيا.
فقال : « لا أجر له ». فقالوا للرجل : عد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال له الثالثة فقال له : « لا أجر له ».
المجاهِدُ الحقُّ هو مَنْ جاهَدَ لِتكونَ كلمةُ اللهِ العُليا، وطَلَبًا للأَجْرِ والمَثوبةِ، وليس خُروجًا لطَلَبِ أَجْرٍ دُنيويٍّ، مِثْلَ الغنيمةِ وغيرِها
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: "إنَّ رَجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، رَجُلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، وهو يَبْتَغي"، أي: يَطْلُبُ في نَفْسِه وهو خارِجٌ في سبيلِ اللهِ "عَرَضًا مِن عَرَضِ الدُّنيا"، أي: أنْ يُصيبَ مِن غَنيمتِها المالَ والمتاعَ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"، أي: لم يَكُنْ أَجْرُه كمَنْ خرَج في سبيلِهِ خالصًا لوَجْهِه تعالى، وهذا مِصْداقٌ لقولِه تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرة} [آل عمران: 152]، "فأَعْظَمَ ذلك الأمرَ النَّاسُ"، أي: اسْتَعظَموا هذا الحُكْمَ وكَبُرَ عليهم؛ لأنَّهم كانوا يَرْجونَ في خروجِهِم إعلاءَ كلمةِ اللهِ تعالى والغنيمةَ، وقالوا للرَّجُلِ: "عُدْ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فلعلَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ"، أي: ارْجِعْ إليه وأَعِدْ عليه السُّؤالَ لعلَّكَ لم تُحْسِنْ إفهامَكَ له ما تَقْصِدُ وما تُريدُ
فرَجَع الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسألَه مرَّةً ثانيةً فقال: "يا رسولَ اللهِ، رَجُلٌ يُريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، وهو يَبْتغي ويُريدُ عَرَضًا مِن عَرَضِ الدُّنيا مِن أَجْرٍ وغنيمةٍ"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"، فقال النَّاسُ للرَّجُلِ: "عُدْ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: مرَّةً ثالثةً لِيَسألَه، "فقال له: الثَّالثةَ"، أي: سأل الرَّجُلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمرَّةِ الثَّالثةِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"؛ وهذا فيمَن خرَجَ وقد أَشركَ في نيِّتِه عملًا دُنيويًّا خرَج به عن الإخلاصِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ فقَدْ ثَبَت في صحيحِ مُسلِمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "ما مِن غازيةٍ تَغْزو في سبيلِ اللهِ فيُصيبون الغنيمةَ، إلَّا تعَجَّلوا ثُلُثَيْ أَجْرِهم مِن الآخِرةِ، ويَبْقى لهم الثُّلُثُ، وإنْ لَمْ يُصيبوا غَنيمةً، تَمَّ لهم أَجْرُهم"، وهذا لِمَن جعَل نيِّتَه خالصةً لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ ابتغاءَ مَرْضاتِه