باب في اتخاذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام عليه في الصلاة

بطاقات دعوية

باب في اتخاذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام عليه في الصلاة

 عن أبي حازم - رضي الله عنه - أن نفرا جاءوا إلى سهل بن سعد - رضي الله عنه - قد تماروا في المنبر من أي عود هو فقال أما والله إني لأعرف من أي عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول يوم جلس عليه قال فقلت يا أبا العباس فحدثنا قال أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة قال أبو حازم إنه ليسميها يومئذ انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات (1) ثم أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة (2) ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي. (م 2/ 74

كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ في أصحابِه وهو قائمٌ على قَدَمَيه، ويَستنِدُ على جِذعِ نخْلٍ، فلمَّا كثُرَ النَّاسُ بَدا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتَّخِذَ مِنبرًا مِن خَشَبٍ يَقِفُ ويَجلِسُ عليه أثناءَ خُطبِه.
وفي هذا الحديثِ ذِكرٌ لقِصَّةِ اتِّخاذِ المِنبرِ، فيَحْكي التابعيُّ أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دِينارٍ، أنَّ رِجالًا أَتَوا إلى الصَّحابيِّ الجَليلِ سَهْلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ رَضيَ اللهُ عنه يَسأَلونَه عن المِنبرِ النَّبويِّ الَّذي اتَّخَذه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذَكَرَ لهم سَهْلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ إلى امْرأةٍ قدْ سمَّاها سَهْلٌ -وقدِ اختُلِفَ في اسمِها؛ فقيل: عائِشةُ، وقيل: مِيناسُ، وهي مِن الأنصارِ، كما في رِوايةٍ للبُخاريِّ، وفي رِوايةٍ أُخرى للبُخاريِّ أنَّها مِن المهاجِرينَ- كان لها خادمٌ نَجَّارٌ، فقال لها: مُرِي غُلامَك -أي: اطلُبي منه- أنْ يَصْنَعَ لي مِنبرًا؛ لكي أجْلِسَ عليه حِين أكَلِّمُ النَّاسَ.
وجاء في صَحيحِ البُخاريِّ مِن حَديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا أجْعَلُ لكَ شيئًا تَقْعُدُ عليه؟ فإنَّ لي غُلَامًا نَجَّارًا قالَ: إنْ شِئْتِ..»، فيُجمَعُ بيْنهما بأنَّها طَلَبَت مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلًا، ثمَّ أرْسَلَ لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوافِقًا لها، وآمِرًا إيَّاها أنْ تَصنَعَه له.
فأجابتِ المرأةُ، وأمَرَت غُلامَها أنْ يَصنَعَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المِنبرَ مِن طَرْفاءَ، جمْعُ طَرَفةَ، وهي شَجرةٌ مِن شَجَرِ الصَّحراءِ، والغابةُ: مَوضعٌ مِن عَوالي المدينةِ مِن جِهةِ الشامِ، وكانت على بُعدِ تِسعةِ أمْيالٍ (14 كم) مِن المَدينةِ، ثمَّ لمَّا فَرَغَ الخادمُ منه، أرْسَلَت المرأةُ به إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به، فأَمَرَ به فوُضِعَ مَكانَه مِن المسجدِ، فجَلَسَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: الاستعانةُ بأهْلِ الصِّناعاتِ والمَقْدِرةِ في كُلِّ شَيءٍ يَشْمَلُ المسلِمينَ نَفْعُه.