باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 2

بطاقات دعوية

باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 2

 عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من نبي بعثه الله [ص:83] في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون (1) وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف (2) يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». رواه مسلم

دعوة الأنبياء والمرسلين إلى الله فيها ملامح مشتركة بينهم جميعا؛ فكلهم قد وجد الصد والرفض من قومه، وكل نبي كان له أتباع آمنوا به، وكانوا خاصته وحملة دعوته من بعده، ثم بتطاول الأزمان تتغير الأحوال، ويبعد الناس عن الحق تدريجيا، ولا بد للمستمسك بالهدى والحق أن يجاهدهم بقدر طاقته واستطاعته
وفي هذا الحديث يروي ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه ما من نبي بعثه الله في أمة قبله، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، وهم التابعون المخلصون لمتبوعهم، المناصرون الملازمون له، وينفون عنه كل عيب، يأخذون بسنته، فيعملون بهدي ذلك النبي وسيرته، ويقتدون بأمره، أي: يفعلون مثل فعل نبيهم، «ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف»، أي: يأتي بعد الحواريين ذرية وأجيال سيئة، «يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون»، وهذه صفة النفاق، والمعنى: أنهم أصحاب شر وفساد، خالفوا وعصوا ذلك النبي، يفعلون ما لا يأمرهم نبيهم، ويمتدحون أنفسهم مدعين اتباعهم لهذا لهديه، ولا يفعلون بما يقولون، بل يفعلون الفساد. ووجب على كل مؤمن مستطيع أن يجاهدهم بما يناسب حاله، فمن جاهدهم بيده بأن أزال المنكر فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فأنكر عليهم بالقول فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه بأن غضب عليهم، ولو قدر لحاربهم باليد أو باللسان فهو مؤمن، «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»، فليس وراء ما ذكرت من مراتب الإيمان مرتبة قط؛ لأن من لم ينكر بالقلب فقد رضي بالمنكر، والرضا بالمنكر كفر، وقد ظهر من هذا الحديث وغيره أن من شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرين: أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل معروفا أو منكرا؛ لأن ذلك لا يتأتى للجاهل. والثاني: القدرة عليه، وأن غير المستطيع لا يجب عليه، وإنما عليه أن ينكر بقلبه
والجهاد باليد لا يكون إلا لمستطيع التغيير دون منازعة، كأولياء الأمور والحكام والأمراء، والجهاد بالقول يكون ببيان الحق والدعوة إليه، والجهاد بالقلب يكون بإنكار المنكر وعدم حبه أو الرضا به
قال أبو رافع رضي الله عنه: «فحدثت عبد الله بن عمر» بهذا الحديث «فأنكره علي»، وهذا الإنكار يحمل على أنه من باب التأكد في صحة سياق الحديث؛ إذ يحتمل أن يزيد، أو ينقص، أو يحرف بعضه؛ لأن الإنسان عرضة لهذا كله؛ فالنسيان طبيعته، والذهول سجيته، وليس من باب الرد عليه لاتهامه؛ لأن أبا رافع رضي الله عنه صحابي جليل، رفيع القدر، معلوم العدالة والصدق عند ابن عمر
ولما قدم ابن مسعود إلى المدينة، فنزل بقناة -وهو واد من أودية المدينة- فأمر عبد الله بن عمر أبا رافع رضي الله عنهم باتباعه والسير خلفه؛ لزيارة ابن مسعود؛ فذهبا إليه فلما جلسا عنده سأل أبو رافع ابن مسعود عن هذا الحديث، فحدثه به كما حدثه أبو رافع لابن عمر. وهذا من التثبت ودفع التهمة عن نفسه
وفي الحديث: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه: بيان ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مراعاة أحوال الناس
وفيه: منقبة وفضل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنهم هم الذين حضروه وصحبوه وبذلوا أموالهم وأنفسهم لأجل هذا الدين
وفيه: بيان كون تغيير المنكر من الإيمان
وفيه: بيان أن الإيمان يزيد وينقص