باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر رياض الصالحين 3
بطاقات دعوية
عن أبي الوليد عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. متفق عليه. (1)
«المنشط والمكره» بفتح ميميهما: أي في السهل والصعب. و «الأثرة»: الاختصاص بالمشترك وقد سبق بيانها. «بواحا» بفتح الباء الموحدة بعدها واو ثم ألف ثم حاء مهملة: أي ظاهرا لا يحتمل تأويلا.
__________
أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، ومن لوازم هذا الاعتصام اجتماع المسلمين على كلمة واحدة وإمام واحد؛ فإنهم إذا تعددت كلمتهم وتفرق أمراؤهم ضعف شأنهم وذهبت شوكتهم، وظهر عليهم عدوهم
وفي هذا الحديث يروي جنادة بن أبي أمية السدوسي: أنهم دخلوا على عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مريض، فقالوا له: «أصلحك الله» وهي كلمة اعتادوا أن يقولوها عند الطلب، أو المراد الدعاء له بإصلاح جسمه ليعافى من مرضه، ثم طلبوا منه أن يحدثهم بحديث ينفعه الله بأجر تحديثه به، سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى في ذي الحجة، وكانت قبل عامين من الهجرة النبوية، كما جاء مصرحا به في رواية أحمد، «فبايعناه» وهي من مد الباع -وهي اليد- لأخذ العهد والميثاق، فكان فيما اشترط عليهم: أن بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في حال نشاطهم وقوتهم، ويكون ذلك في الأمر الذي إذا أمر به الإنسان نشط له؛ لأنه يوافق هواه، وفي حال ما يكرهون، ويكون ذلك في الأمر الذي إذا أمر به الإنسان لم يكن نشيطا فيه؛ لأنه يكرهه، وكذلك بايعوا على أن يسمعوا ويطيعوا في حال عسرهم ويسرهم، أي: في حال الفقر والغنى، فيما أمر به ولاة الأمر، «وأثرة علينا»، أي: ولو اختص ولي الأمر نفسه ببعض الدنيا دونهم ظلما وتعديا منه، أو إذا فضل ولي الأمر عليهم غيرهم في الاستحقاق ومنعهم حقهم، فعليهم أن يصبروا ولا يخالفوه، وبايعهم على ألا ينازعوا الملك أهله، فلا يخرجوا على الإمام بالقتال، إلا أن يروا كفرا، فيجوز الخروج عليهم ومنازعتهم بشرط أن يكون الكفر «بواحا»، أي: ظاهرا يجهر ويصرح به، ويكون عندهم من الله في هذا الكفر نص من قرآن، أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل
وهذا يدل على ترك الخروج على الأئمة، وألا يشق المرء عصا المسلمين؛ حتى لا يتسبب في سفك الدماء وهتك الحرم، إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام؛ فلا طاعة لمخلوق عليه
وفي الحديث: الأمر بطاعة الأمراء على كل حال فيما يرضي الله عز وجل