باب في الفتن وصفاتها 3
بطاقات دعوية
عن حذيفة - رضي الله عنه - أنه قال أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة. (م 8/ 173)
كانَ حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنهما صاحِبَ سرِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان كَثيرَ السُّؤالِ عن الفِتنِ والشُّرورِ الَّتي ستَقَعُ على امتدادِ الزَّمانِ وبعْدَ عَصرِ النُّبوَّةِ؛ ليَعرِفَ المخرَجَ منها؛ مَخافةَ أنْ تُدرِكَه
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ حُذيفةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَه بما هو «كائنٌ» أي: واقعٌ مِن الفتنِ إلى أنْ تقومَ القيامةُ؛ «فما مِنه شيءٌ» أي: مِن هذه الفِتنِ «إلَّا قدْ سألتُه» أي: طلَبْتُ منه إيضاحَه وتَفصيلَه، ثمَّ قال حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنهما: «إلَّا أنِّي لم أسألْه: ما يُخرِجُ أهلَ المَدينةِ مِنَ المَدينةِ؟»، أي: إنَّ حُذَيفةَ رَضيَ اللهُ عنه على قَدْرِ مَعرفتِهِ بالفِتَنِ وما سيَكونُ مِنها إلَّا أنَّه لم يَسألِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا يُصيبُ أهْلَ المَدينةِ مِن أذًى وسوءٍ يُجبِرُ أهلَها على الخُروجِ مِنها، أو لعلَّه يُريدُ أنَّه لم يَسألَهُ عن أثر تلك الفِتَنِ الَّتي ستَجعَلُ أهْلَ المَدينةِ يَخرُجُونَ مِنها
وقدْ ورَدَتْ أحاديثُ في خُروجِ أهلِ المدينةِ، فمنها: ما أخْرَجَه البخاريُّ ومُسلمٌ أنَّ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «يَترُكون المدينةَ على خَيرِ ما كانت، لا يَغْشاها إلَّا العَوافِ، يُريدُ عَوافي السِّباعِ والطَّيرِ، وآخِرُ مَن يُحشَرُ راعيانِ مِن مُزَينةَ، يُرِيدانِ المدينةَ، يَنعِقانِ بغَنمِهما، فيَجِدانها وَحْشًا، حتَّى إذا بَلَغا ثَنيَّةَ الوداعِ خرَّا على وُجوهِهما»
وفي الحَديثِ: إطْلاعُ اللهِ تَعالَى نبِيَّه على ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، وأنَّ جَميعَ المخلوقاتِ وحَركاتِهم وإرادتِهم وأعمالِهم، مُقدَّرةٌ بالأزمانِ والأوقاتِ، لا مَزيدَ في شَيءٍ منها ولا نُقصانَ عنها، ولا يُقدَّمُ منها شَيءٌ عن وقْتِه ولا يُؤخَّرُ
وفيه: حِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه وتَحذيرُهم مِن كُلِّ الشُّرورِ والفِتَنِ