باب: كراهية أكل الثوم
بطاقات دعوية
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفل وأبو أيوب في العلو قال فانتبه أبو أيوب ليلة فقال نمشي فوق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنحوا فباتوا
في جانب ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - السفل أرفق فقال لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلو وأبو أيوب في السفل فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه فيتتبع موضع أصابعه فصنع له طعاما فيه ثوم فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له لم يأكل ففزع وصعد إليه فقال: حرام (1) هو فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ولكني أكرهه قال فإني أكره ما تكره أو ما كرهت قال وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى (2). (م 6/ 127)
هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المدينةِ المنوَّرةِ، ونَزَل في أوَّلِ قُدومِه في دِيارِ أخوالِه بَني النَّجَّارِ في دارِ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فأحْسَنَ ضِيافتَه وأكْرَمَ وِفادتَه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَزلَ ضَيْفًا في بيتِه حِين هاجَرَ إلى أنْ يَتَّخِذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفسِه دارًا يَسكُنُها، فَنَزلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في «السُّفْلِ»، والمرادُ به: الطَّابقُ الأرضيُّ مِنَ البيتِ وأقامَ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنها وأهْلُه في الطَّابقِ العُلويِّ منه، فَانْتَبَه أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه ليلةً، واستيقَظَ مِن نَومِه، فقال في نَفسِه، أو قال لمَن معه مِن أهْلِه مُستنكِرًا: «نَمْشِي فوقَ رأسِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ!؟» يُريدُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان هو الأَولى -لمَقامِه ومَنزلتِه- أنْ يُقِيمَ في العُلوِّ، وهُم يَنزِلون في السُّفلِ، وهذا منه تَعظيمٌ لِقدْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتنَحَّى أبو أيُّوبَ وأهلُ بَيتِه رَضيَ اللهُ عنهم، وابْتَعَدوا عن وسَطِ السَّقفِ الَّذي يُقيمُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تحْتَه، وأكْمَلوا باقيَ لَيلتِهم وباتُوا في جانبٍ مِن جَوانبِ البيتِ، ثُمَّ أنَّهم لَمَّا قامُوا حَكَى أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما جَرى بالأمسِ، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «السُّفْلُ أرفَقُ»، والمعنى: أنَّه يُفضِّلَ أنْ يَبيتَ في سُفلِ البيتِ، لأنَّه أسهَلُ وأيسَرُ له ولهُم؛ فأمَّا كَوْنُه أيسَرَ له: وذلك لكيْ لا يَحتاجَ إلى الصُّعودِ إلى العلوِّ وما في تَكرارِ ذلك مِن المشقَّةِ، وأمَّا كَونُه أيسَرَ لهم: فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ربَّما يَأتيهِ الصَّحابةُ ومَن يَزُورُه، فلوْ كان في الأعلى فسَيُمُّرون على أبي أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه وأهلِه صُعودًا ونُزولًا، وقدْ يُسبِّبُ ذلك حَرَجًا لهم، فقال أبو أَيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه: «لا أَعْلُو سقيفةً أنتَ تحتَها»، فلمَّا رأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صِدقَ أبي أيُّوبَ وعَزْمَه على ألَّا يَسكُنَ الطَّابقَ العُلْويَّ، تحوَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العُلْوِ وأبو أَيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه في السُّفْلِ.
وكان أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه يَصنَعُ ويَعُدُّ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طعامًا، فإذا جِيءَ لأبي أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه ما بَقِي مِن الطَّعامِ، سَألَ عَن مَوضعِ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الطَّعامِ، فإذا أخْبَرَه الآتي بالطَّعامِ بمَوضعِ أصابعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، تَتبَّعَ مَوضعَ أصابِعِه في الأكلِ؛ تَبرُّكًا به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصنعَ له أبو أيُّوبُ رَضيَ اللهُ عنه ذاتَ يومٍ طعامًا فيه ثُومٌ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُعِيبُ طعامًا قطُّ، ففي الصَّحيحينِ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: «ما عاب رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَعامًا قطُّ، كان إذا اشْتَهى شَيئًا أكَلَه، وإنْ كَرِهَه تَرَكَه». فلمَّا رُدَّ إليه الطَّعامُ سَألَ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه عَن مَوضعِ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَتتبَّعَها ويَأكُلَ منها، فذَكَروا له أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَأكُلْ مِن هذا الطَّعامِ، فَفزِع وخافَ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه مِن عَدمِ أكْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لخَوفِه أنْ يكونَ حدَثَ منه أمرٌ أوجَبَ الامتناعَ مِن طَعامِه، فصعِدَ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العُلوِّ، فسَألَه عن سَببِ تَركِه الطَّعامَ: «أحرامٌ هو؟» يَقصِدُ الثُّومَ، فَأجابَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليْس بحَرامٍ، وإنَّما يَكرَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكْلَه، فقال أبو أَيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه: «فَإنِّي أكرَهُ ما تَكرهُ، أو ما كرِهْتَ» وهذا بَيانٌ لِعَظيمِ حُبِّ الصَّحابةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وبيَّنَ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه سَببَ امتناعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أكلِ الثُّومِ، فقال: «وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤْتَى» أي: تَأتيه الملائكةُ والوحيُ؛ لذلك كان لا يَأكُلُ الثُّومُ أبدًا؛ حتَّى لا تكونَ رائحةُ فَمِه كَريهةً؛ لأنَّ الملائكةَ تَتأذَّى مِن الرَّوائحِ الكريهةِ؛ ولذلك ورَدَ في الصَّحيحينِ مِن حَديثِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «كُلْ؛ فإنِّي أُناجي مَن لا تُناجِي»، يعني أُخاطِبُ الملائكةَ، وقدْ رَوى أبو داودَ عن علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه قال: «نُهِيَ عن أكلِ الثُّومِ إلَّا مَطبوخًا»؛ لأنَّ الطَّبْخَ يُميتُ رائحَتَها، ويُقلِّلُ آثارَها.
وفي الحديثِ: حُبُّ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتعظيمُه وتَوقيرُه.
وفيه: فضْلُ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: إجلالُ أهلِ الفضلِ، والمبالَغةُ في الأدبِ معهم.