باب في القدر7
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: بهذا أمرتم، أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم".
قال: فقال عبد الله بن عمرو: ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه (2).
حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَّتَه من سُلوكِ سُبُلِ الأممِ الهالِكةِ، الَّذِينَ استحقُّوا عذابَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمُخالفتِهم أنبياءَهم واختلافِهم عليهم والتَّنازُعِ في أمْرِ القدَرِ والاختِلافِ فيه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "خرَج علينا"، أي: نحنُ صحابةَ رَسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ "رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ونحنُ نتَنازَعُ في القَدَرِ"، أي: نتحدَّثُ في أمرِ القَضاءِ والقدَرِ ونَختَلِفُ فيه، "فغَضِب حتَّى احمرَّ وجهُه"، أي: فغَضِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى بانَتْ علاماتُ الغضَبِ في وَجْهِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى كأنَّما "فُقِئ"، أي: فُقِعَ ونُثِر "في وَجْنتَيه"، أي: في خَدَّيه، "الرُّمَّانُ"، أي: حَبُّ الرُّمَّانِ، فاحمَرَّ وجهُه مِن الغضبِ، "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُنكِرًا: "أبِهذا أُمِرتُم"، أي: هل أمَرَكم اللهُ بالانشِغالِ والتَّنازُعِ في هذا الأمرِ؟! وهذا استنكارٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لفِعْلِهم، "أم بِهذا أُرسِلتُ إليكم؟!"، أي: هل أرسَلني اللهُ إليكم بمِثلِ هذا ولأجْلِ هذا؟! وهذا استِنْكارٌ آخَرُ منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إنَّما هلَك" مِن الهَلاكِ والضَّياعِ والانحرافِ، "مَن كان قَبْلَكم"، أي: مِن الأُممِ السَّابقةِ الهالِكَةِ، "حين تَنازَعوا في هذا الأمرِ"، أي: حين تَحدَّثوا في أمرِ القدَرِ واختَلفوا فيه.
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "عزَمتُ عليكم"، أي: أوجبتُ عليكم وأكَّدتُ عليكم وأقسمتُ عليكم، "ألَّا تتَنازعوا فيه"، أي: ألَّا تتَحدَّثوا في القدَرِ، ولا تبحَثوا فيه ولا تتَناقَشوا فيه ولا تَختَلِفوا فيه حتَّى لا تَهلِكوا كما هلَكَت الأممُ قبلَكم، وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه: الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.