باب في المذي يصيب الثوب
عن سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته عنه، فقال: «إنما يجزئك من ذلك الوضوء»، فقلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه، قال: «يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه»، هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا " وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي، وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح " وقال أحمد: «أرجو أن يجزئه النضح بالماء
الإسلامُ دينُ الرَّحمةِ والشَّفقةِ بالنَّاسِ، فإذا كان الاغتِسالُ مِن المنيِّ والجنابةِ واجبًا، فإنَّ مِن تَخفيفِ الإسلامِ ومُراعاتِه لأحوالِ النَّاسِ أنَّه فرَّق بينَ المنيِّ الغليظِ والمَذْيِ الخَفيفِ الَّذي يَكثُرُ نُزولُه عندَ حُضورِ الشَّهوةِ بجسَدِ الرَّجُلِ، أو عَقِبَ نُزولِ المنيِّ وبَعدَ الاغتسالِ منه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سهلُ بنُ حُنَيْفٍ: "كنتُ ألْقَى مِن المَذْيِ شِدَّةً"، أي: في كَثرةِ خُروجِه ونُزولِه، والمَذْيُ: ماءٌ أبيضُ رقيقٌ، مِن شأنه أنَّه يتَقدَّمُ أو يَعقُبُ خُروجَ المنيِّ، وأحيانًا يَخرُج بعدَ البولِ، أو عندَ الشَّهوةِ، قال: "وكنتُ أُكثِرُ مِن الاغتسالِ"، أي: بسببِ نُزولِ المَذْيِ؛ ظنًّا مِنه أنَّه يَجِبُ فيه الاغتسالُ، قال سَهْلٌ: "فسأَلتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك"، أي: عن الغُسْلِ من المَذْيِ، فقال: "إنَّما يُجزيك مِن ذلك الوُضوءُ"، أي: يَكفيكَ فيه الوُضوءُ لا الغُسْلُ، قال سهلٌ: "يا رسولَ اللهِ، فكيف بما يُصيبُ ثَوبي منه؟" أي: مِن هذا المَذْيِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يَكْفيك بأن تأخُذَ كفًّا من ماءٍ، فتَنْضَحَ بها مِن ثوبِك حيث تَرى أنَّه أصابَه"، أي: تَرُشُّ الموضِعَ الَّذي أصابه المذيُ مِن الثَّوبِ بالماءِ، حتَّى تَعتقِدَ أنَّك أَزَلْتَه.