باب في المعتكف يزوره أهله في المسجد
سنن ابن ماجه
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا عمر بن عثمان بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر، عن أبيه، عن ابن شهاب، قال: أخبرني علي بن الحسينعن صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنها جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره، وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، فتحدثت عنده ساعة من العشاء، ثم قامت تنقلب، فقام معها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد الذي كان عند مسكن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، مر بهما رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نفذا، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي" قالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا" (1).
الشَّيطانُ مُنذُ الأزَلِ عدُوٌّ للإنسانِ، يَفعَلُ فيه بالوَساوسِ ما يَجعَلُه يتَّهِمُ الآخرينَ دونَ بيِّنةٍ، ولذلك كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ يُحذِّرَ أصحابَهُ رَضيَ اللهُ عنهُمْ مِن وَساوسِ الشَّيطانِ.
وفي هذا الحديثِ تَرْوي أمُّ المؤمنينَ صَفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها جاءتْ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزورُه وهو مُعتكِفٌ في المسجدِ في العشْرِ الأواخرِ مِن رَمضانَ، وبعْدَ أنْ زارَتْه، قامتْ لِتَنقلِبَ، أي: تَرجِعَ إلى مَنزلِها، فقامَ معها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا بَلغَا قَرِيبًا مِن بَابِ المَسْجِدِ عندَ بابَ زَوجتِه أُمِّ سلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها، مَرَّ بِهما رَجُلانِ مِنَ الأنصارِ -قيل: هما أُسَيدُ بنُ حُضيرٍ وعبَّادُ بنُ بِشرٍ رَضيَ اللهُ عنهما- فسَلَّمَا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ نَفَذَا، أي: أَسرَعا في السَّيرِ، وذلك احتِرامًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لوُقوفِه مع إحْدى النِّساءِ، وظاهرُه أنَّه قدْ خَفِيَا علَيهما أنَّها إحْدى زَوجاتِه، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «على رِسْلِكما»، أي: تَمهَّلَا ولا تَتعجَّلَا، فليس شَيءٌ تَكْرَهانِه، ولِيُخْبِرَهما أنَّها صَفيَّةُ امرأتُه، فقالا: سُبحانَ اللهِ! أي: تَنزَّهَ اللهُ عن أنْ يكونَ رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّهمًا بما لا يَنْبغي، أو كِنايةً عن التَّعجُّبِ مِن هذا القولِ، وكَبُرَ عليهما ذلك، وشَقَّ عليهما ما قالَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واستعْظَما أنْ يَظُنَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهما قدْ ظنَّا به سُوءًا، فأخْبَرَهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الشَّيطانَ لا يَزالُ يُوسوِسُ للإنسانِ، وهو يَجري منه مَجرى الدَّمِ في العُروقِ، وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَشِي أنْ يُوسوِسَ لهما الشَّيطانُ فَيُلقي في قُلوبِهما ظنًّا سَيِّئًا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ يُفضِي بهما ذلك إلى الهلاكِ، فَبادَرَ إلى إعلامِهما؛ تَعليمًا لِمَن بعدَهما إذا وقَعَ له مِثلُ ذلك.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ زِيارةِ المُعتكِفِ في مَكانِ اعتكافِه.
وفيه: قَطْعُ ما يُؤدِّي إلى الظِّنِّ السَّيِّئِ؛ بإظهارِ الحقيقةِ للنَّاسِ في الوقتِ المُناسِبِ.