باب في ترك القنوت
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي مالك الأشجعي، قال: قلت لأبي: يا أبة، «إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟»، قال: أي بني محدث؟،: «هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم» وقال سفيان الثوري: «إن قنت في الفجر فحسن، وإن لم يقنت فحسن»، واختار أن لا يقنت «ولم ير ابن المبارك القنوت في الفجر»،: «وأبو مالك الأشجعي اسمه سعد بن طارق بن أشيم»،
كان التَّابِعون رضِيَ اللهُ عَنهم يَحرِصون حِرصًا شديدًا على تَحصيلِ عِلمِ الصَّحابةِ الَّذي تعَلَّموه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فكانوا يَأتونهم فيَسأَلونهم لِيَنهَلوا مِن عِلْمِهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ التَّابعيُّ أبو مالكٍ الأشجَعيُّ: "قلتُ لأبي، وهو طارقُ بنِ أَشْيَمَ رضِيَ اللهُ عَنه: "يا أبَةِ"، أي: يا أبَتي، وتُحذَفُ الياءُ والتَّاءُ للتَّقريبِ، "إنَّك قد صَلَّيتَ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ"، أي: صلَّيتَ وراءَهم بالمدينةِ، "وعلِيِّ بنِ أبي طالبٍ، هاهنا بالكوفةِ"، أي: حيثُ انتقَل عليٌّ بالخلافةِ إلى الكوفةِ، "نحوًا مِن خمسِ سنينَ"، أي: قَريبًا مِن خمسِ سِنين، "أكانوا يَقْنُتون؟"، أي: هل كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم والخلفاءُ الرَّاشِدون يَقنُتون في الصَّلاةِ؟ وفي روايةٍ موضِّحةٍ عندَ ابنِ ماجَهْ: أكانوا يَقنُتون في الفَجرِ؟"، والقنوتُ هو الدُّعاءُ بعدَ الرَّفعِ مِن الرُّكوعِ أو قبلَه؛ فالمرادُ هنا القُنوتُ في صلاةِ الفجرِ، وقيل: أراد السُّؤالَ عن القُنوتِ في غيرِ الصُّبحِ والوترِ، "قال"، أي: طارِقُ بنُ أشيَمَ: "أي بُنيَّ"، أي: يا بُنيَّ، "مُحْدَثٌ"، أي: أمرٌ مُستحدَثٌ ومُبتدَعٌ لم يَكُنْ يَفعَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولا الخلفاءُ الرَّاشدون رضِيَ اللهُ عَنهم، وهذا يدُلُّ على عدَمِ مَشروعيَّةِ هذا القُنوتِ، وقد ذهَب إلى ذلك أكثرُ أهلِ العِلمِ، وأنَّ القُنوتَ مُختَصٌّ بالنَّوازِلِ فقَط، وعندَ نُزولِ النَّازلةِ لا تُخَصُّ به صَلاةٌ دونَ صلاةٍ.
وقيل: لا يَلْزَمُ مِن نفْيِ القُنوتِ مِن طارقِ بنَ أشيَمَ عدَمُ حُدوثِه؛ وذلك لإثباتِ غَيرِه وقوعَ ذلك؛ فلَعلَّه كان في صَفٍّ مؤخَّرٍ أو غيرِ ذلك فلم يَسمَعْ.