باب في تسوية الصفوف
بطاقات دعوية
عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا. (م 2/ 30)
صَلاةُ الجَماعةِ في المساجدِ شأنُها عظيمٌ، وأجرُها كَبيرٌ، وقد نظَّمَ الشَّرعُ هذه الصَّلاةَ، ورتَّب الوقوفَ خَلفَ الإمامِ؛ حتَّى يَكونَ المُصَلُّون على انتِظامٍ وانضِباطٍ نَفسيٍّ وبَدَنيٍّ في تلك الصَّلاةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى»، وهذا أمرٌ بأن يَقِفَ خَلفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ أصحابُ العقولِ والأفهامِ، أو أن يكون خَلفَه البالِغون العُقلاءُ؛ وذلك لأُمورٍ؛ منها: تَفضيلُهم بالتَّقَدُّمِ، وليَعقِلوا عنه ما يُنقَلُ من فِعلِه، ولأنَّه رُبَّما احتاج إليهم؛ إمَّا بتَذكيرِه إذا نَسيَ شيئًا، أو في استِنابتِهم إن نابَه أمرٌ، فيَكونوا أقربَ إليه، ثم يكون من بعدهم الأقلُّ سِنًّا وهكذا، ثمَّ وراءَهم النِّساءُ.
فيؤمُّ النَّاسَ في الصَّلاة أقرؤُهم وأكثرُهم عِلمًا وفِقهًا، ثمَّ يكون خَلفَ الإمامِ الحُفَّاظُ للقرآنِ والعالِمون بأحكامِ الصَّلاة والبالغون، ثمَّ الأقلُّ عِلمًا، وهذا ليس فيه حَجرُ الصُّفوفِ عليهم أو حَجزُها لهم، وإنَّما فيه الحثُّ على أن يُسارِعَ أهلُ العِلم والفَهمِ إلى الصَّلاةِ في الجماعاتِ؛ ليَكونوا خَلفَ الإمامِ، وهذا الأمرُ منَ التَّنظيمِ النَّبويِّ حتى يَتعلَّمَ النَّاسُ منه أحكامَ الصَّلاة، ثمَّ يَنقُلوها لِمَن بَعدهم.
ثم حَذَّرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: «وإيَّاكم وهَيْشاتِ الأسواق»؛ وهي ارتفاعُ الأصواتِ، والصَّخبُ واللَّغَطُ، والمُنازعاتُ والفِتنُ التي فيها، والمعنى: احذَروا رَفعَ الصَّوتِ في الصَّلاةِ والمساجدِ، والكلامَ دونَ فائدةٍ، كما يَحدُثُ في الأسواقِ، ولا يَشغَلَنَّكمُ التَّفكيرُ في مِثلِ هذه الأمورِ عنِ الخُشوعِ في الصَّلاةِ، ويُمكِنُ أن يَكونَ النَّهيُ عن الاختِلاطِ في المساجدِ وفي صُفوفِ الصَّلاةِ؛ فلا يَختَلِطُ أصحابُ العُقولِ والكِبارُ معَ الصِّغارِ والنِّساءِ مِثلَ الأسواقِ.