باب في ذكر الخوارج 9
سنن ابن ماجه
حدثنا سهل بن أبي سهل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي غالب، عن أبي أمامة (2)، يقول: شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء،وخير قتلى من قتلوا، كلاب أهل النار، كلاب أهل النار (1)، قد كانوا هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا. قلت: يا أبا أمامة، هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2).
الخوارِجُ شَرُّ النَّاسِ؛ لأنَّهم يُكفِّرون المسلِمين بمجرَّدِ المعاصي أو الكبائِرِ التي دون الشِّركِ والكُفرِ، ويَستحِلُّون دِماءَهم وأموالَهم بذلك، وقد أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقِتالِهم، وحذَّر مِنهم، وبيَّن لنا صِفاتِهم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو غالِبٍ البَصريُّ- واسمُه حَزَوَّرُ، وقيل: سَعيدُ بنُ الحَزَوَّرِ، وقيل: نافِعٌ، وهو مِن صِغارِ التَّابِعين- أنَّ أبا أُمامةَ، وهو الصَّحابيُّ الجليلُ أبو أُمامةَ الباهليُّ، واسمُه صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ بنِ وَهْبٍ، قال عِندَما رأى رُؤوسَ المقتولِين مِن الخوارجِ: "شَرُّ قَتْلى"، أي: هؤلاءِ هم شَرُّ القَتْلى الَّذين يَقتُلُهم المسلِمون، "تحتَ أديمِ السَّماءِ"، أي: تحتَ وجْهِ السَّماءِ وتحتَ صَفْحَتِها كما يُسمَّى وجهُ الأرضِ أديمًا، "وخيرُ قَتْلى"، أي: عِندَ الله، "مَن قتَلوه"، أي: مَن قتَله الخوارِجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ هو خيرُ مقتولٍ إذا كان المقتولُ مِن المسلِمين؛ لأنَّه قُتِل ظُلمًا بلا ذَنبٍ أو قُتِل وهو يُحارِبُهم.
ثم قال: "كلابُ النَّارِ"، أي: الخوارجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ كِلابُ أهلِ النَّارِ أو أنَّهم على صورةِ كلابٍ في النَّارِ، وفي روايةٍ: "ثمَّ قرَأ قولَه تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 106- 107]، أي: يوم القيامة تَبيَّض وجوهُ مَن اتَّبع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابَه، وهم أهلُ الائتلافِ والاعتصامِ بحبْلِ اللهِ، وتسودُّ وجوهُ أهلِ البِدعةِ وأهلِ الشقاوةِ والشرِّ، أهلِ الفُرقةِ والاختلافِ المخالِفين لأمْرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، كالخَوارجِ.
ثمَّ قال أبو أُمامةَ رَضِي اللهُ عنه: "قد كان هؤلاءِ مُسلِمين، فصاروا كُفَّارًا"، أي: إنَّهم خرَجوا مِن مِلَّةِ الإسلامِ، فصاروا كُفَّارًا، واستُدلَّ بهذا على كُفرِ الخوارجِ، وإنْ كان جمهورُ العُلماءِ على خِلافِه، وتَأوَّلوها على أنَّ المرادَ كُفرٌ أصغَرُ لا يُخرِجُ مِن الملَّةِ.
قال أبو غالِبٍ: "يا أبا أُمامةَ، هذا شيءٌ تَقولُه؟" أي: أهَذا الحُكْمُ تَقولُه مِن عِندِك استِنْباطًا؟ أم لك فيه نَصٌّ؟ قال أبو أُمامةَ: "بل سَمِعتُه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، وفي روايةٍ أخرى قال أبو أُمامةَ رَضِي اللهُ عنه: "لو لَم أسمَعْه"، أي: هذا الحديثَ "إلَّا مرَّةً أو مرَّتَين، أو ثلاثًا أو أربَعًا، حتَّى عَدَّ" أبو أُمامةَ، "سبعًا"، أي: سبْعَ مرَّاتٍ، "ما حَدَّثتُكُموه"، أي: إنَّه سَمِعه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أكثَرَ مِن سبعِ مَرَّاتٍ سَماعًا لا شكَّ فيه؛ ولذلك حدَّث به.
وعندَ التِّرمذيِّ أن ذلك كان عِندَما رأى أبو أُمامَةَ رُؤوسًا مَنْصوبةً، أي: واقِفةً مَرفوعةً، أو مَصلوبةً، "على درَجٍ" جمعُ الدَّرَجةِ وهي المِرْقاةُ الَّتي يَرْتقي بها الإنسانُ، وهي درَجاتُ السَّلالِمِ عِندَ "مَسجِدِ دِمَشْقَ"، أي: رأى رؤوسَ المقتولين مِن الخوارجِ رُفِعَت على درَجِ مَسجِدِ دِمَشقَ،
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من تَكفيرِ المسلِمين.
وفيه: ذَمُّ الخوارِجِ وأنَّهم مِن أهلِ النَّارِ