‌‌باب في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله

سنن الترمذى

‌‌باب في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي، قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث، عن ميمون بن أبي شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال: فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى؟ قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله». هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه

الذِّكرُ له فوائدُ عَظيمةٌ؛ فبِه تُفتَحُ أبوابُ الجِنانِ، ويُطرَدُ الشَّيطانُ، ويرطُبُ اللِّسانُ، وتطمئِنُّ به القلوبُ، إلى غيرِ ذلك ممَّا يُنعِمُ اللهُ به على عِبادِه؛ جزاءً على ذِكرِه، وفي هذا الحَديثِ يَحكِي قيسُ بنُ سعدِ بنِ عُبادةَ رضي الله عنهما: أنَّ "أباه"، وهو سعدُ بنُ عُبادةَ الأنصاريُّ النَّقيبُ سيِّدُ الخَزْرجِ رَضِي اللهُ عَنه، وشَهِد المشاهدَ كلَّها مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "دفَعَه"، أي: أعطاه، إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "يخدُمُه"، أي: ليكونَ في خِدمتِه، "قال" قيسُ بنُ سعدٍ: "فمَرَّ بيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم" ذاتَ يومٍ، "وقد صلَّيْتُ" صلاتي، "فضرَبني" النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "برِجلِه" ليُنبِّهَني، "وقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لي: "ألَا"، أي: هلَّا، "أدُلُّك" يا قيسَ بنَ سعدٍ "على بابٍ مِن أبوابِ الجنَّةِ"، تَدخُلُ منه يومَ القِيامةِ؛ قال قيسٌ: "قلتُ: بلى"، أي: دُلَّني على العملِ الذي يكونُ سببًا في دُخولي الجَنَّةَ، "قال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ"، أي: إنَّ هذا الدُّعاءَ والذِّكر سببٌ في دُخولِ قائلِها الجنَّةَ إذا قالَها مُوقِنًا مُستسلِمًا لكمالِ مَقصدِها ومعناها، والمعنى: لا حركةَ ولا حِيلةَ، "ولا قوَّةَ" ولا استطاعةَ "إلَّا باللهِ"، أي: بمشيئةِ اللهِ تعالى وإرادتِه وقُدرتِه، وقيل: معناه: لا حَوْلَ في دفعِ شرٍّ، ولا قوَّةَ في تحصيلِ خيرٍ إلَّا باللهِ، وقيل: لا حولَ عن معصيَةِ اللهِ إلَّا بعصمتِه، ولا قوَّةَ على طاعتِه إلَّا بمعونتِه؛ فهي كلمةُ استسلامٍ وتفويضٍ إلى اللهِ تعالى، وإذعانٍ واعترافٍ له بأنَّه لا خالقَ غيرُه، ولا ربَّ سواه، ولا رَادَّ لأمرِه، ولا مُعقِّبَ لحُكمِه، وأنَّ العبدَ لا يملِكُ شيئًا، وأنَّ اللهَ مالِكُ عبادِه، يفعَلُ فيهم كلَّ ما أراده.
وقد ورَد أنَّها كَنْزٌ مِن كنوزِ الجنَّة، أي: كالكنزِ في كونِها ذَخيرةً نفيسةً، يُتوقَّعُ الانتفاعُ منها، وهذا مِن بيانِ النَّبيِّ الكريمِ لأمَّتِه فَضْلَ الذِّكرِ، باختلافِ ألفاظِه وأنواعِه.
وفي الحديث: بيانُ ما كان عندَ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن حِرصٍ على تَلقِّي العِلمِ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وما كان عِندَهم مِن حِرصٍ على الآخِرَةِ.