باب في قصة ابن صياد 10

بطاقات دعوية

باب في قصة ابن صياد 10

 عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح (7) مسالح الدجال فيقولون له أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج قال فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه قال فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيأمر الدجال به فيشبح (8) فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول أو ما تؤمن بي قال فيقول أنت المسيح الكذاب قال فيؤمر به فيؤشر بالمئشار (9) من مفرقه (10) حتى يفرق بين رجليه قال

ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما قال ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة قال ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته (1) نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا قال فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين. (م 8/ 199 - 200)

لم يَترُكِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيرًا إلَّا دلَّنا عليه، وما تَرَكَ شرًّا إلَّا حَذَّرَنا منه، وإنَّ مِنَ الشَّرِّ المُستَطيرِ الَّذي حَذَّرَنا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خُروجَ المسيحِ الدَّجَّالِ، وخُروجُه مِنَ علاماتِ السَّاعةِ الكُبْرى
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حدَّثَهم حَديثًا طَويلًا عن المسيحِ الدَّجَّالِ يُحذِّرُهم فِتْنتَه، ويُبيِّنُ لهم بَعضَ أخبارِه. وسُمِّيَ مَسِيحًا؛ لأنَّه مَمْسوحُ العَيْنِ مَطْموسُها، فهو أعْوَرُ، وسُمِّي الدَّجَّالَ؛ تَمْيِيزًا له عن المَسِيحِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ، والدَّجَّالُ مِنَ التَّدْجِيلِ بمعنى التَّغطيةِ؛ لأنَّه كذَّابٌ يُغَطِّي الحقَّ ويَستُرُه، ويُظهِرُ الباطلَ، وهو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالَى: مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ تعالَى ومَشيئتِه
ومِن جُملةِ ما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الدَّجَّالِ أنَّه يَأتي إلى المدينةِ يُريدُ دُخولَها، فيَأتي بَعضَ السِّباخِ، جمْعُ سَبَخةٍ، وهي الأرضُ الرَّملةُ الَّتي لا تُنبِتُ؛ لمُلوحتِها، وفي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه: «فَيَأْتِي سِبْخةَ الجُرُفِ»، والجُرُفُ: مَوضعٌ على ثَلاثةِ أميالٍ مِن المدينةِ نحْوَ الشَّامِ، فلا يَستطيعُ دُخولَها؛ لأنَّها مُحرَّمةٌ عليه أنْ يَدخُلَها؛ إذ ليس هناك طَريقٌ أو فجٌّ مِن فِجاجِها إلَّا وعليه صُفوفٌ مِن الملائكةِ تَحرُسُه، فإذا جاء إلى سِباخِها، خرَج إليه رجُلٌ، هو خَيرُ النَّاسِ يومَئذ -أو مِن خيرِهم-، يخرُجُ إليه ليُبِيِّنَ فَسادَه للنَّاسِ عن عِلمٍ، فإذا رأى الدَّجَّالَ عَلِم أنَّه هو؛ لعِلمِه بصِفتِه الَّتي أخبَر عنها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيقولُ له: أشهَدُ أنَّك الدَّجَّالُ الكذَّابُ الَّذي حدَّثَنا عنك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنْذَرَناهُ، فيقولُ الدَّجَّالُ لِمَن اغتَرَّ به مِن الكفَّارِ والمُنافِقين: أخْبِروني إنْ قتَلْتُ هذا، ثمَّ أحيَيْتُه بعْدَ قتْلِه، هل تَشكُّونَ في الأمرِ وأنِّي إلهٌ؟ فيَقولونَ: لا، فيَقتُلُه الدَّجَّالُ، ثمَّ يُحْييه، وذلك بإذنِ اللهِ؛ اختبارًا للعبادِ، وليَتميَّزَ الخبيثُ مِن الطَّيِّبِ، وفي روايةِ مُسلمٍ: «فيُؤمَرُ به، فيُؤشَرُ بالمِئشارِ مِن مَفرِقِه حتى يُفرَّقَ بيْن رِجْلَيه، قال: ثمَّ يَمْشي الدَّجَّالُ بيْن القِطعتَينِ، ثمَّ يَقولُ له: قُمْ، فيَسْتوي قائمًا»، فيَقولُ الرَّجُلُ حِين يُحْييه الدَّجَّالُ: «واللهِ ما كُنتُ قَطُّ أشَدَّ بَصيرةً منِّي اليومَ»، أي: أقْوى يَقينًا بأنَّك الدَّجَّالُ؛ وذلك لأنَّه رَأى عَلامةً أُخرى ممَّا ذَكَره رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن صِفاتِ الدَّجَّالِ؛ وهي: أنَّه يُحْيي المقتولَ. فيَقولُ الدَّجَّالُ: أقتُلُه، فلا أستطيعُ قتْلَه، وفي صَحيحِ مُسلمٍ: «فيَأخُذُه الدَّجَّالُ لِيَذبَحَه، فيَجعَلُ ما بيْن رَقَبتِه إلى تَرْقُوتِه نُحاسًا، فلا يَستطيعُ إليه سَبيلًا، قال: فيَأخُذُ بيَدَيه ورِجلَيه فيَقذِفُ به، فيَحسِبُ النَّاسُ أنَّما قَذَفَه إلى النَّارِ، وإنَّما أُلْقِيَ في الجنَّةِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أعظَمُ النَّاسِ شَهادةً عِندَ ربِّ العالَمِين»
وفي الحديثِ: فَضلُ العِلمِ، وأنَّه مِن أسبابِ البَصيرةِ بالفِتَنِ، والثَّباتِ على الحقِّ وقتَ وُقوعِها
وفيه: فضْلُ مُواجَهةِ أهلِ الباطلِ بالحقِّ