‌‌باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا»1

سنن الترمذى

‌‌باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا»1

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد» وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وأنس. هذا حديث حسن غريب. ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر، قال: «لوددت أني كنت شجرة تعضد»، ويروى عن أبي ذر موقوفا

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَرى ويَسمَعُ ما لا يَراه البشَرُ ولا يَسمَعونه، وكان بأمَّتِه رَؤوفًا رحيمًا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو ذرٍّ الغفاري رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "إنِّي أرى ما لا ترَون، وأسمَعُ ما لا تَسمَعون"، أي: إنِّي أشاهِدُ ما لا تَستطيعون مُشاهدتَه، وأسمَعُ ما لا تستطيعون سَماعَه مِن أمورٍ غائبةٍ عنكم، "أطَّتِ السَّماءُ"، أي: أصدَرَت صوتًا وصوَّتَت، والأطيطُ هو صوتُ الإبلِ وحنينُها، وصوت الأقتابِ، "وحُقَّ لها أن تَئِطَّ"، أي: وكان لها الحقُّ في أَطيطِها ويَنبَغي عليها أن تَئِطَّ والسَّببُ أنَّه؛ "ما فيها مَوضِعُ أربَعِ أصابِعَ إلَّا ومَلَكٌ واضِعٌ جَبهَتَه للهِ ساجدًا"، أي: ليس في السَّماءِ مِقدارُ موضعِ أربعِ أصابِعَ إلَّا وفيه ملَكٌ مِن الملائكةِ، واضِعٌ جَبهتَه ذُلًّا وخُضوعًا ساجِدًا للهِ، والمعنى: أنَّ كَثرةَ ما في السَّماءِ من الملائكةِ قد أثْقَلَها حتَّى أَطَّتْ.
ثم قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "واللهِ لو تَعلَمون ما أعلَمُ"، أي: يُقْسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم باللهِ ويَقولُ: لو كُنتُم تَعْلَمون ما أعلَمُ مِن عِظَمِ الأمرِ وهَولِه وشِدَّتِه، "لَضَحِكْتم قَليلًا ولَبَكيتُم كَثيرًا"، أي: لقَلَّ ضَحِكُكم ولَزاد بُكاؤُكم مِن هَولِ ما تَعلَمون، "وما تَلذَّذتم بالنِّساءِ على الفُرُشِ"، أي: ولا هَنِئَ لكم الاستِمتاعُ بزَوجاتِكم مِن الخوفِ والفزَعِ وهولِ الأمرِ وشدَّتِه، "ولَخرَجتُم إلى الصُّعُداتِ"، أي: ولَتَركتُم بُيوتَكم وخرَجتُم في الطُّرقِ والسُّبلِ، "تَجأَرون إلى اللهِ"، أي: تتَضرَّعون إلى اللهِ أن يُنجِّيَكم ويَغفِرَ لكم ويَعفُوَ عنكم.
فقال أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عَنه: "لَوَدِدتُ أنِّي كنتُ شَجرةً تُعْضَدُ"، ومعناه: لَتَمنَّيتُ أنِّي كنتُ شَجرةً تُقطَعُ وتُستَأصَلُ مِن مَكانِها فتَفْنى وتَنتَهي.