باب: في قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}
بطاقات دعوية
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله عز وجل بهذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين. (م 8/ 243)
في هَذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لم يكُنْ بيْنَ دُخولِهم في الإسلامِ وبيْنَ أنْ عاتَبَهم اللهُ سُبحانه بقولِه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، إلَّا أَربَع سِنينَ. والمقصودُ بالَّذين آمَنوا: إمَّا بعضٌ منهم ربَّما كانوا مُقصِّرين عن جُمهورِ المؤمِنينَ يومئذٍ بمكَّةَ، فأرادَ اللهُ إيقاظَ قُلوبِهم بهذا الكلامِ المجْمَلِ، على عادةِ القرآنِ وأقوالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّعريضِ، وأدْخَلَ ابنُ مَسعودٍ نفْسَه فيهم حَذرًا وحِيطةً وخَوفًا، وإمَّا أنْ يكونَ تَحريضًا للمؤمنين على مُراقَبةِ ذلك والحذَرِ مِن التَّقصيرِ. ومعنى الآيةِ: أَلَمْ يَجئِ الوَقتُ الَّذي تَلينُ فيه قُلوبُهم وتَخشَعُ لِذكرِ اللهِ -الَّذي هو القُرآنُ- وتَأثيرِه فيها، وتَنقادُ لِأوامرِه وزَواجرِه، وَما نَزلَ مِنَ الحقِّ الَّذي جاءَ بِه مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! ولا يَكونوا مِثلَ الَّذين أُعطوا التَّوراةَ مِن اليهودِ، والَّذين أُعطوا الإنجيلَ مِن النَّصارى، وأنَّه لَمَّا طالَ الزَّمنُ بيْنهم وبيْنَ بَعثةِ أنبيائهِم، قَسَتْ بسَببِ ذلك قُلوبُهم، وكثيرٌ منهم خارِجون عن طاعةِ اللهِ إلى مَعصيتِه؟! والحِكمةُ أنْ يَتذكَّرَ المؤمنونَ المواعظَ الإلهيَّةَ والأحكامَ الشَّرعيَّةَ كُلَّ وقتٍ، ويُحاسِبوا أنفُسَهم عَلى ذلكَ
وقدْ ورَدَ عندَ الطَّحاويِّ في مُشكِلِ الآثارِ عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه، ما يُفيدُ أنَّ الصَّحابةَ طَلَبوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَقُصَّ عليهم لِتَلِينَ بذلك قُلوبُهم، فأنْزَلَ اللهُ على نَبيِّه قَصصًا، ولكنَّهم أكْثَروا في ذلك، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]»، فأعْلَمَهم عزَّ وجلَّ أنَّه لا حاجةَ بهم إلى القصصِ مع القرآنِ؛ لأنَّه لا يَقُصُّ عليهم أنفَعَ لهم مِنه؛ لأنَّهم لا يَرجِعون إلى شَيءٍ يَجِدون فيه الَّذي يَجِدونه في القرآنِ
وقيل: هذا الخطابُ لِمَن آمَنَ بمُوسى وعِيسى دونَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه قال عَقِيبَ هذا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد: 19]؛ يكونُ المعنى: ألَمْ يَأنِ للَّذين آمَنوا بالتَّوراةِ
وفي الحديثِ: الحثُّ عَلى الخضوعِ ومُراقبةِ اللهِ عزَّ وجلَّ على وَجهٍ دائمٍ ومَوصولٍ
وفيه: ذَمُّ قَسوةِ القلبِ؛ لأنَّ القلبَ القاسيَ أبعَدُ مِن اللهِ سُبحانه وتَعالَى
وفيه: بَيانُ أنَّ رِقَّةَ القلبِ وخُشوعَه مِن صِفاتِ المؤمِنينَ