باب: في قوله تعالى: {هل من مدكر}
بطاقات دعوية
عن أبي إسحاق قال رأيت رجلا سأل الأسود بن يزيد وهو يعلم القرآن في المسجد فقال كيف تقرأ هذه الآية {فهل من مدكر} أدالا أم ذالا قال بل دالا سمعت عبد الله بن مسعود يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول مدكر دالا. (م 2/ 205 - 206)
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يحرِصون على تتَبُّعِ قراءةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للقُرآنِ الكريمِ بكُلِّ الأحرفِ التي نزل بها، وقد عَرَف من الصَّحابةِ من يحفَظُ هذه القراءاتِ وعَلَّموها لغيرهم وللتابعين مِن بَعْدِهم، وهكذا عَلَّمَها التابعون لمن بعدهم حتى وصَلَت إلينا
وفي هذا الحَديثِ يروي التابعي أبو إسحاقَ السَّبيعيُّ أنَّه سمع رجلًا سأل التابعيَّ الجليلَ الأَسْوَدَ بنَ يَزِيدٍ النَّخَعيَّ -وهو من كبارِ التابعينَ-: هل قوله تعالى {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} بالدَّالِ المُهْمَلةِ أمْ (مُذَّكِرٍ) بالذَّالِ المُعْجَمةِ؟ فقال له الأَسْوَدُ: «سَمِعتُ عَبْدَ الله» يَعني: ابنَ مَسْعُودٍ «يَقْرَؤُها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}» يعني: دالًا مُهْمَلة، وقال ابنُ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه: «وسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقْرَؤها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دالًا» مُهْمَلةً أيضًا، وسَببُ هذا السُّؤالِ: أنَّ بعْضَ السَّلفِ قرَأها بالذَّالِ المُعْجَمةِ، وهو مَنقولٌ أيضًا عن قَتادَةَ، وأصلُ (مُدَّكرٍ) في اللُّغةِ: (مُذْتَكِرٌ)؛ أُبدِلت التَّاءُ دالًا مُهْملةً، ثمَّ أُدغِمتِ الذَّالُ في الدَّالِ
ومعْنى قولِه تعالَى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: مُتَفَكِّرٍ ومُتَدَبِّرٍ لِمَا يَقرَأُ، ومُسْتَيْقِظٍ لِمَا يَسمَعُ، فأَمَرَهم اللهُ أنْ يَعتبِروا، وحذَّرَهم أنْ يَنزِلَ بهمْ ما نَزَل بمَن هَلَك مِن الأُممِ قَبْلَهم، وهذه القراءةُ هي قِراءةُ عامَّةِ القُرَّاءِ، وهي القراءةُ المُتَوَاتِرةُ