باب في قوله تعالى: (فكان قاب قوسين أو أدنى) 2
بطاقات دعوية
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال {ما كذب الفؤاد ما رأى} {ولقد رآه نزلة أخرى} قال رآه بفؤاده مرتين
كانتْ رِحلةُ الإسْراءِ والمِعراجِ مِن المُعجِزاتِ التي أيَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأكْرَمَه اللهُ وأصْعَدَه مع جِبريلَ إلى السَّمواتِ العُلى، حتَّى أَراه الجَنَّةَ، وأَراه إخوانَه مِن الأنبياءِ، وأَراه مِن آياتِه الكُبْرى.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو إسْحاقَ الشَّيْبانِيُّ أنَّه سَأَلَ زِرَّ بنَ حُبَيْشٍ عن معْنى قَولِ اللهِ تعالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 9- 10]، فأَجاب أنَّ عبْدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه حدَّثَهم، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأى جِبريلَ عليه السَّلامُ في صُورَتِه الَّتي خُلِق عليها له سِتُّ مئةِ جَناحٍ، وعندَ مُسلمٍ مِن حَديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها: «رَأيتُه مُنهبِطًا مِن السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خلْقِه ما بيْن السَّماءِ إلى الأرضِ».
وقابُ الشَّيءِ: قَدْرُه، والقَوسانِ: الذِّراعانِ. أي: قدْرُ ذِراعينِ، وقيل: قدْرُ قَوسينِ، أو قدْرُ ما بيْن الوَتَرِ والقَوسِ، أو ما بيْن طَرَفيِ القَوسِ، وهو آلةُ رمْيِ السِّهامِ، والمعنى: فكان ما بيْن مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجِبريلَ عليه السَّلامُ مِقدارُ قَوسينِ، أو ذِراعينِ، وهو كِنايةٌ عن القُرْبِ.
وهذا مَذهبُ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه وعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها؛ أنَّ الَّذي رآهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو جِبريلُ، وأنَّه هو الدَّاني المُقترِبُ مِن محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتَّقديرُ -على هذا الرَّأيِ-: فَأَوْحَى جِبريلُ إلى عَبدِ اللهِ محمَّد ما أمَرَه اللهُ أنْ يُوحِيَه إليه، وكَلامُ أكثرِ المفسِّرين مِن السَّلَفِ يدُلُّ على أنَّ الَّذي أَوْحَى هو اللهُ تَعالى. وقولُه: {مَا أَوْحَى} فيه تَفخيمٌ للمُوحى به؛ فقد أَوْحَى اللهُ تعالَى إلى عَبْدِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطاهُ الصَّلَواتِ الخَمسَ، وأُعْطِيَ خَواتيمَ سُورةِ البَقرَة، وغُفِرَ لِمَن لم يُشرِكْ باللهِ مِن أُمَّتِه شَيئًا.
وفي الحديثِ: عِظمُ خَلْقِ جِبريلَ عليه السَّلامُ.