باب في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} 2

بطاقات دعوية

باب في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} 2

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحنى أبى امرأة ذات حسب، فكان (13) يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا مذ أتيناه. فلما طال ذلك عليه؛ ذكر للنبى - صلى الله عليه وسلم -، فقال: القنى به, فلقيته بعد، [فدخل على، فألقيت له وسادة من أدم، حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بينى وبينه 2/ 246]، فقال [لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار (وفي طريق: الدهر 2/ 246] وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله! [بأبي أنت وأمي]، قال 2/ 245): كيف تصوم؟ قال: كل يوم. قال: وكيف تختم (وفي طريق: في كم تقرأ القرآن)؟ قال: كل ليلة. [قال: فلا تفعل]؛ فإنك لا تستطيع ذلك]؛ [إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين (14) , ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر (وفى رواية: الأبد (مرتين)] , [فصم وأفطر، وقم ونم , فإن لجسدك عليك حقا (وفي رواية: حظا)، وإن لعينك عليك حقا، وإن [لنفسك و] لزوجك عليك حقا , وإن لزويرك عليك حقا]، صم (وفي طريق: [وإنك عسى أن يطول بك عمر 7/ 103] وإن بحسبك أن تصوم) في كل شهر ثلاثة [أيام] في الجمعة، [فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك [مثل]، صيام الدهر كله. [قال:] فشددت، فشدد علي]. قال: قلت: [يا رسول الله! إني أجد قوة]، [إني]، أطيق أكثر (وفي رواية: أفضل) من ذلك. قال: أفطر يومين، وصم يوما. قال: قلت: [إني]، أطيق أكثر (وفي رواية: أفضل) من ذلك. قال: صم أفضل الصوم، صوم [نبى الله] داود [عليه السلام، ولا تزد عليه. فقلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: نصف الدهر]، صيام يوم، وإفطار يوم (وفي طريق: كان يصوم يوما ويفطر يوما (15)، ولا يفر إذا لاقى. قال: من لي بهذه يا نبى الله؟)، [فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك]. (وفي طريق:
أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه 2/ 44)، [فقال:] اقرإ [القرآن 6/ 114] في [كل]، شهر. [قلت: إني أجد قوة]، (وفي رواية: إني أطيق أكثر). [حتى قال:] اقرأ في كل سبع ليال مرة، [ولا تزد على ذلك]، [فما زال حتى قال: في ثلاث]، [وكان عبد الله يقول بعدما كبر:] فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذاك أني كبرت، وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه من النهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار؛ ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى؛ أفطر أياما وأحصى وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئا فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه.
قال أبو عبد الله: وقال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع.

__________

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعبَدَ النَّاسِ للهِ، وأحرَصَهم على مَرضاتِه، ومع هذا فقدْ علَّمَنا اليُسرَ في العبادةِ، وأخْذَ النَّفْسِ بما تَستطيعُ، وتَرْكَ التَّشديدِ عليها، فيَجمَعُ الإنسانُ بيْن دُنياهُ وآخِرتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ أباه عَمْرَو بنَ العاصِ رضِيَ اللهُ عنه زوَّجَه امْرَأةً -يُقالُ: إنَّها أُمُّ مُحَمَّدٍ بِنتُ مَحْميةَ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْديِّ- ذاتَ شَرَفٍ وحسَبٍ، فَكانَ عَمْرٌو رضِيَ اللهُ عنه يَتَعاهَدُ «كَنَّتَه»، أي: زَوجةَ ابنِه، فَيَسأَلُها عَن شَأنِ ابنِه معها، فَتَقولُ: «نِعْمَ الرَّجُلُ مِن رَجُلٍ؛ لَم يَطَأْ لَنا فِراشًا»، أي: لَم يُضاجِعْنا حَتَّى يَطَأ لَنا فِراشًا، «وَلَم يُفَتِّش لَنا كَنَفًا»، أي: ساتِرًا «مُنذُ أتَيْناه»، وكنَّت بذلك عن تركِه لجماعِها؛ إذ عادةُ الرَّجُلِ إدخالُ يَدِه في داخِلِ ثَوبِ زَوجتِه.
فَلَمَّا طالَ ذَلك على عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنه، وَخافَ أنْ يَلحَقَ ابنَه إِثمٌ بِتَضْييعِ حَقِّ الزَّوجةِ، ذَكَرَ ذَلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، طلب منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يقابِلَ عَبدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، فلما التقى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سأله: كَيْفَ تَصومُ؟ فَأجابَه: أصومُ كُلَّ يَومٍ. وَكَيْفَ تَختِمُ القُرآنَ؟ فَأجابَه: أخْتِم كُلَّ لَيلةٍ خَتمةً. فأشار عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن يصومَ في كُلِّ شَهرٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ وأن يقرَأَ القُرآنَ في كُلِّ شَهْر خَتْمةً. فراجع عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذكر أنَّه يَقدِرُ على أكثَرَ من ذلك، فأشار عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن يصومَ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الأُسبوعِ، فذكر عَبدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يقدِرُ على أكثَرَ من ذلك، فَقالَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفطِرْ يَومَينِ وَصُم يَومًا. فَقالَ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنه: أُطيقُ أكثَرَ مِن ذَلك، قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صُم أفضَلَ الصَّومِ؛ صَومَ داوُدَ نَبيِّ اللهِ عليه السَّلامُ: صيامُ يَوْمٍ، وَإِفْطارُ يَومٍ، واقرَأْ في كُلِّ سَبْعِ لَيالٍ مَرَّةً». يعني: اختِمِ القُرآنَ مَرَّةً كُلَّ أُسبوعٍ.
فتمَنَّى عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما بعدما كَبِرَ وضَعُفت قوَّتُه أنْ لو كان قَبِلَ التخفيفَ مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَكانَ يَقرَأُ على مَن تَيسَّرَ له من أهلِه السُّبْعَ مِن القُرْآنِ بِالنَّهارِ، والَّذي يُريدُ أن يَقْرَأه بِاللَّيْلِ يَعرِضه مِن النَّهارِ؛ ليَكونَ أخَفَّ عليه بِاللَّيلِ.
وَإِذا أرادَ أن يَتَقَوَّى على الصِّيامِ أفْطَرَ أيَّامًا، وَأحْصى عَدَد الأيَّام التي أفطرها وَصامَ أيَّامًا مِثلَهنَّ؛ لئلَّا يَترُكَ شَيْئًا مات النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان عبدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه يفعَلُه.
وفي الحَديثِ: أنَّ أفْضلَ صَومِ التَّطوُّع هو صَوْمُ نَبيِّ الله داوُدَ عليه السَّلامُ.
وفيه: الاقتِصادُ في بَعْضِ العِباداتِ؛ ليَتَبَقَّى بَعضُ القوَّةِ لغَيرِها.
وفيه: بَيانُ رِفقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وَشَفَقَتِه عليهم، وَإِرشادِه إيَّاهُم إلى ما يُصلِحهم، وَحَثِّه إيَّاهم على ما يُطيقونَ الدَّوامَ عليه، وَنَهْيهم عَن التَّعمُّقِ في العِبادةِ؛ لما يُخْشى مِن إِفْضائِه إلى المَلَلِ أو تَركِ البَعضِ.
وفيه: تقديمُ الواجِبِ من حَقِّ الأهلِ على التطَوُّعِ بالصِّيامِ والقيامِ.
وفيه: الإخبارُ عن الأعمالِ الصَّالحةِ، والأورادِ، ومحاسِنِ الأعمالِ عند أَمْنِ الرِّياءِ.
وفيه: تفَقُّدُ الوالِدِ أحوالَ وَلَدِه وزوجتِه في بَيتِه.
وفيه: استخدامُ الكناياتِ في الكلامِ عَمَّا يُستقبَحُ ذِكْرُه.