باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه36-2
سنن الترمذى
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا شاذان الأسود بن عامر، عن سنان بن هارون، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فقال: «يقتل هذا فيها مظلوما لعثمان»: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عمر»
سعَى أعداءُ الإسلامِ منذ ظهورِه إلى محاربتِه وهَدْمِه، لكن لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا حتَّى ظهَر ومكَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ لدَولتِه في الأرضِ؛ فاستمَرَّ أعداءُ الإسلامِ بالمحاولاتِ حتَّى قاموا بالفِتَنِ في دولةِ الإسلامِ، وأُولى تلك الفِتَنِ ما كان في عهدِ عُثمانَ رَضِي اللهُ عَنه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنهما: "ذكَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فِتنةً"، أي: ما سيَحدُثُ مِن قتلٍ واضطراباتٍ عظيمةٍ، "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يُقتَلُ فيها هذا مظلومًا؛ لعثمانَ"، أي: يُقتَلُ عُثمانُ رَضِي اللهُ عَنه في تلك الفِتنةِ ظُلمًا، وليس عَدْلًا، كما قال المُبطِلونَ ممَّن قتَله.
وقد قُتِلَ عُثمانُ رَضِي اللهُ عنه في ذي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وثلاثينَ، وفي خَبَرِ مَقْتلِهِ: أنَّ أُمراءَ الأمصارِ كانوا مِنْ أقاربِه؛ كان بالشَّامِ كلِّها مُعاويةُ، وبالبَصْرةِ سعيدُ بنُ العاصِ، وبمِصْرَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبي سَرْحٍ، وبخُراسانَ عبدُ اللَّهِ بنُ عامِرٍ، وكان مَنْ حَجَّ مِنْهم يَشْكو مِنْ أميرِه، إلى أنْ رَحَلَ أهلُ مِصْرَ يَشكونَ مِنِ ابنِ أبي سَرْحٍ، فعَزَلَه، وكَتَب له كتابًا بتَوليةِ مُحمَّدِ بنِ أبي بكرٍ الصِّديقِ، فرَضُوا بذلك، فلمَّا كانوا في أثناءِ الطَّريقِ رَأوا راكبًا على راحلةٍ، فاسْتَخبروه، فأَخْبَرهم أنَّهُ مِنْ عِنْد عُثمانَ باسْتِقرارِ ابنِ أبي سَرْحٍ ومُعاقبةِ جماعةٍ مِنْ أعيانِهم، فأَخَذوا الكِتابَ ورَجَعوا ووَاجَهوه به، فحَلَف أنَّه ما كَتَب ولا أَذِنَ، فقالوا: سلِّمْنا كاتِبَك، فخَشي عليه منهم القَتْلَ، وكان كاتِبُه مروانَ بنَ الحكمِ، وهو ابنُ عمِّه، فغَضَبوا وحَصَروه في دارِه، واجْتَمع جماعةٌ يَحْمونَه منهم، فكان يَنهاهم عَنِ القِتالِ إلى أنْ تَسوَّروا عليه مِنْ دارٍ إلى دارٍ، فدَخَلوا عليه فقَتَلوه، قيل: فعَظُمَ ذلك على أَهْلِ الخيرِ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم، وانْفتَحَ بابُ الفِتْنةِ، وهي التي أشار إليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صَدرِ الحديثِ.
وفي هذا الحديثِ: علامةٌ مِنْ علاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.