باب فيما أنكرت الجهمية 8
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبيرعن عائشة، قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في ناحية البيت، تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] (1).
كان العربُ قبلَ الإسلامِ يَعُدُّونَ الظِّهارَ طلاقًا؛ كأنْ يقولَ أحدُهم لزَوجتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، فتحرُمُ عليه، حتَّى أتى الإسلامُ وشرَعَ لهم الطَّلاقَ، وجُعِلَت الكفَّارةُ للظِّهارِ إذا ما وقَعَ من أحدِهم.
وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ المُؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "تبارَكَ"، أي: زادَتْ بركةُ اللهِ وكثُرَ خيرُه، "الَّذي وسِعَ سمْعُه كلَّ شَيءٍ"، أي: يُدرِكُ كلَّ صوتٍ، وأحاط سمْعُه بالأصواتِ كلِّها؛ فلا يَخْفى عليه شَيءٌ منها في الأرضِ ولا في السَّماءِ، جهَرَ به المُتكلِّمُ أو أسَرَّ، "إنِّي لأسمَعُ كلامَ خَولةَ بنتِ ثَعلبةَ ويَخْفى عليَّ بعضُه"، أي: أسمَعُ بعضَه، ولا أسمَعُ البعضَ الآخرَ، مع أنِّي في ناحيةِ البيتِ، "وهي تَشْتكي زوجَها" أوسَ بنَ الصَّامتِ، "إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي تقولُ: يا رسولَ اللهِ، أكَلَ شَبابي"، أي: عِشْتُ معه مُدَّةَ شبابي، "ونثَرْتُ له بَطْني"، أي: أكثَرْتُ له الأولادَ. "حتَّى إذا كبِرَت سِنِّي، وانقطَعَ وَلَدي"، أي: أصبَحَتْ لا تَحمِلُ لكبَرِ سِنِّها، "ظاهَرَ مِنِّي"، والظِّهارُ هو: تَحريمُ الزَّوجِ مُعاشرةَ زَوجتِه على نفْسِه، كأنَّها ظهْرُ أُمِّه الَّذي يحرُمُ عليه الاقترابُ منه، فقالتِ المرأةُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أشكو إليكَ"، أي: أوكَلَتْ شَكواها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، "فما برِحَتْ"، أي: انتهَتْ مِن شَكواها، "حتَّى نزَلَ"، أي: على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "جِبرائيلُ بهؤلاء الآياتِ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1].
وفي هذا الحديثِ: إثباتُ صِفَةِ السَّمعِ للهِ عَزَّ وجَلَّ على ما يليقُ بجَلالِه وكمالِه، دونَ تَشبيهٍ أو تَعطيلٍ أو تكييفٍ.