باب فيمن تزوج امرأة أبيه
سنن الترمذى
حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء، فقلت: أين تريد؟ قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه» وفي الباب عن قرة المزني: حديث البراء حديث حسن غريب وقد روى محمد بن إسحاق هذا الحديث، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء وقد روي هذا الحديث، عن أشعث، عن عدي، عن يزيد بن البراء، عن أبيه وروي عن أشعث، عن عدي، عن يزيد بن البراء، عن خاله، عن النبي صلى الله عليه وسلم
حرَّم اللهُ تعالى على الابنِ نِكاحَ زوجةِ أبيهِ تَحريمًا أبديًّا؛ لحِكَمٍ جليلةٍ يَعلُمها؛ ومِن ذلك: الحِفاظُ على خَدْشِ المشاعرِ البِنويَّة؛ فالأبُ الذي يَشعُر أنَّ ابنَه قدْ يَخلُفُه على زَوجتِه لا يَستبقي عاطفتَه البريئةَ تُجاهَ ابنِه أنْ يُشارِكَه حياتَه؛ وجَعَلَ القَتْلَ حَدَّ مَن يَتعدَّى ذلك ويَنكِحُ زَوجةَ أبيه، كما في هذا الحَديثِ، حيثُ يقولُ البراءُ بنُ عازِبٍ رضِيَ اللهُ عنه: "بَيْنا أنا أطوف"، أي: أبحث، "على إبل لي ضلَّتْ"، أي: ضاعتْ وفُقدَتْ، "إذ أَقبَل رَكْبٌ- أو فَوارِسُ-"، أي: فُرسانٌ على خَيْلِهم، "معهم لِواءٌ"، أي: رايةٌ، ولا يُمسِكها إلَّا قائِدُ الجيشِ، وكانت تلك الفَوارسُ مُرْسَلَةً مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فجعل الأعرابُ يَطيفونَ بي"، أي: يَحتفُّونَ ويَهتمُّونَ بي، و"الأعرابُ": سُكَّانُ الصَّحْراءِ، "لمَنزِلتي مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: لِقُرْبي منه، وصُحْبتي له، "إذ أَتَوْا قُبَّةً"، والقُبَّةُ: بيتٌ أو خيمةٌ على هيئةٍ دائريَّةٍ، "فاستخرجَوا منها رَجُلًا، فضَرَبوا عُنُقَهُ"، أي: قتلوه، "فسألْتُ عنه"، أي: لماذا قتلوه؟ "فَذَكَروا" أنَّ السَّبَبَ: "أنَّه أَعْرَسَ بامرأةِ أبيه"، أي: نكَح امرأةً كانتْ زوجةً لِأبيه، وكان هذا من فِعْلِ الجاهليَّةِ.
وفي رِوايةٍ أُخرى قال البَراءُ: "لقيتُ عمِّي ومعه رايةٌ"، أي: لواءٌ وعَلَمٌ، والمعنى أنَّه مُرْسَلٌ في مُهمَّةٍ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فقلتُ: أينَ تُريد؟ قال: بعَثَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلى رجُلٍ نَكَحَ امرأةَ أبيه، فأمَرَني أنْ أَضرِبَ عُنقَه، وآخُذَ مالَه"، أي: أقتُلَه وأَسْلُبَ مالَه؛ وذلك زِيادةً في العُقوبةِ؛ لأنَّه زادَ في الإجرامِ بنِكاحِه امرأةَ أبيه.
وقد بَيَّنَتْ رِواياتُ الحديثِ أنَّه قد عَقَدَ عليها، ومع ذلك أَمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقتلِهِ؛ لأنَّ اللهَ حرَّم زَوجاتِ الآباءِ على الأبناءِ تَحريمًا أبديًّا.
قيل: إنَّ الَّذي قابَلَهُ البراءُ هو خالُهُ أبو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ، وليس عمَّه الحارثَ بنَ عمْرٍو.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ نِكاحَ ذواتِ المحارمِ بمَنزِلة الزِّنا، وأنَّ اسمَ العَقْدِ فيه لا يُسقِطُ الحَدَّ، وهو القتلُ.