‌‌باب ما جاء في فضل قارئ القرآن

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في فضل قارئ القرآن

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة، وهشام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه - قال هشام: وهو شديد عليه. قال شعبة: وهو عليه شاق - فله أجران ": «هذا حديث حسن صحيح»
‌‌

أنزلَ اللهُ القُرآنَ الكريمَ هِدايةً ورَحمةً للعالَمِينَ، فيَنْبغي أنْ يُداوِمَ المسلمُ على قِراءتِه وحِفظِه، وفَهمِ معانيهِ، والعمَلِ بمَقتضاهُ.
وفي هذا الحديثِ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الذي يَقرَأُ القرآنَ وهو ماهرٌ حاذِقٌ، لا يَتوقَّفُ ولا تَشُقُّ عليه القِراءةُ؛ لجَودةِ حِفظِه وإتقانِه؛ أنَّ مَنزِلَتَه مع السَّفَرةِ الكرامِ البَرَرةِ، وهمُ الرُّسلُ، فيكونُ رَفيقًا لهم في مَنازلِهم. أو المرادُ الملائكةُ المُكرَمونَ المقرَّبون عِندَ اللهِ تعالَى؛ لعِصمتِهم ونَزاهتِهم عن دَنَسِ المعصيةِ والمخالَفةِ، والبَرَرةُ جمعُ البارِّ، وهمُ المطيعونَ. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ معْنى كونِه معَ الملائكةِ: أنَّ له في الآخرةِ منازلَ يكونُ فيها رفيقًا للملائكةِ السَّفرةِ؛ لاتِّصافِه بصِفتِهم مِن حمْلِ كِتابِ اللهِ تعالَى، ويَحتمِلُ أنْ يُرادَ أنَّه عامِلٌ بعملِهِم، وسالِكٌ مَسْلَكَهُم.
وأخبَرَ أنَّ الذي يَقرَأُ القرآنَ، فيَضبِطُه ويَتفقَّدُه، ويُكرِّرُ قراءتَه حتَّى لا يَنساهُ، ويَشتدُّ عليه هذا الأمرُ ويَشُقُّ عليه؛ لضعْفِ حِفْظِه وإتقانِه؛ فإنَّ له أجريْنِ: أجرًا لِقراءتِه، وأجْرًا لِعَنائِه وما يُلاقيهِ مِن شِدَّةٍ في حِفْظِه، وليسَ المرادُ أنَّ أجْرَه أكثرُ مِن أجْرِ الماهرِ، بلِ الأوَّلُ أكثرُ؛ ولذا كان مع السَّفَرةِ؛ فالحافظُ لا يَصيرُ كذلك إلَّا بعْدَ عَناءٍ كثيرٍ ومَشقَّةٍ شَديدةٍ غالبًا.
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على حِفظِ القُرآنِ وكَثرةِ تلاوتِه لنوالِ الأجْرِ والثَّوابِ، وبيانِ عُلُوِّ مَنزلةِ مَن فَعَل ذلك.
وفيه: بيانُ فَضلِ الماهِرِ بالقُرآنِ.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يثيبُ على محاولةِ فِعلِ الخيرِ والطَّاعةِ.