باب ما جاء في تعليم القرآن1
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: أخبرني علقمة بن مرثد، قال: سمعت سعد بن عبيدة، يحدث عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان بن عفان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» قال أبو عبد الرحمن: «فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، وعلم القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج بن يوسف»: «هذا حديث حسن صحيح»
القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ المقدَّسُ، وفيه أحكامُه وأوامِرُه ونواهيه، ومَواعِظُه، وغيرُ ذلك من المعاني النَّفيسةِ التي تُستخرَجُ بالتدَبُّرِ والتعَقُّلِ، والمسلِمُ مُطالَبٌ بأن يقومَ بذلك مع حِفظِ القُرآنِ ومَعرِفةِ ألفاظِه ومبانيه ومعانيه، وخيرُ الأعمالِ وأنفعُها للفَردِ والمجتَمَعِ هو تعلُّمُه وتعليمُه؛ فهو طريقُ الهِدايةِ والصَّلاحِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ أَفضلَ المُسلمينِ وأَرفَعَهم ذِكرًا وأَعلاهُم عِندَ اللهِ دَرجةً؛ مَن تَعلَّمَ القُرآنَ؛ تِلاوةً وحِفظًا وتَرتيلًا، وتَعلَّمَه؛ فِقهًا وتَفسيرًا، فأصبَح عالِمًا بمَعانيه، فَقيهًا في أحكامِه، وعلَّم غيرَه ما عِندَه مِن عُلومِ القُرآنِ مَع عَملِه به، وإلَّا كانَ القُرآنُ حُجَّةً علَيه، وليس حُجَّةً له.
فخَيرُ النَّاسِ مَن جَمَعَ بيْن هَذينِ الوَصْفينِ؛ مَن تعلَّم القُرآنَ وعلَّم القُرآنَ.
قالَ سعدُ بنُ عُبَيدةَ: وأَقرأَ أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلميُّ النَّاسَ -أي: جعل يعلمهم القرآن- في إمرةِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ إلى أنِ انتَهى إِقراؤُه النَّاسَ إلى زَمنِ الحَجَّاجِ بنِ يُوسُفَ الثَّقَفيِّ، وهي مُدَّةٌ طَويلةٌ، والَّذي حَمَلَه على ذلك هو الحديثُ الَّذي حَدَّثَ به عُثمانُ في أفضليَّةِ مَن تَعلَّم القُرآنَ وعَلَّمه، وأَقْعَده مقْعدَه هذا، وأشارَ به إلى مَقعدِه الَّذي كانَ يُقرِئ النَّاسَ فيه.
وقيل: إنَّه أَرادَ بقولِه: «مَقْعَدي هذا» المقعدَ الرَّفيعَ والمنصبَ الْجَلِيلَ الذي حَصَل له مع طُولِ المُدَّةِ بِبركةِ تَعليمِه القُرآنَ الكَريمَ للنَّاسِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ شَرفِ القُرآنِ وفَضلِ تعلُّمِه وتعليمِه.
وفيه: بيانُ فَضلِ حامِلِ القُرآنِ ومُعلِّمِه، وأنَّه خَيرُ المُؤمنينَ؛ لأنَّه أعظَمُهم نَفعًا وإفادةً.