باب: فيمن ذبح لغير الله
بطاقات دعوية
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر إليك قال فغضب وقال ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال وما هن (2) يا أمير المؤمنين قال قال لعن الله من لعن والده (3) ولعن الله من ذبح لغير الله (4) ولعن الله من آوى محدثا (5) ولعن الله من غير منار الأرض (6). (م 6/ 84)
إنَّ آلَ بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَع رَفيعِ مَنزلَتِهم وعَالي دَرجتِهم، إلَّا أَنَّهم لم يُخَصُّوا بشَيءٍ مِنَ العِلمِ دونَ الأُمَّةِ، وقدْ كان بعضُ النَّاسِ يظُنُّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْل مَماتِه ترَكَ وَصيَّةً بها أسرارٌ مِن العِلمِ لابنِ عمِّه عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ كلَّ هذا مُنافٍ للواقعِ ولحقيقةِ هذا الدِّينِ؛ فقدْ سُئِلَ عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه: أَخَصَّكُم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشيءٍ؟ يَعنِي مِنَ العِلمِ وأَسرارِه وقَواعِدِ الدِّينِ وأَحكامِه؟ فنَفَى ذَلكَ عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه بقَولِه: «ما خَصَّنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَيءٍ لم يَعُمَّ به النَّاسَ كافَّةً»، أي: فكل ما كانَ يَقولُه للنَّاسِ كُلِّهم هُو ما كانَ يَقولُه لنا، ولم يَخُصَّنا بشَيءٍ ثُمَّ استَثْنَى فقال: «إلَّا ما كانَ في قِرابِ سَيْفي هَذا»، وقِرابُ السَّيفِ هُو جِرابُه الَّذي يَدخُلُ فيه ورُبَّما وَسِعَ لشيءٍ آخرَ خَفيفِ الْمَحْمَلِ، فأَخْرَجَ لهم صَحيفةً مَكتوبٌ فيها: «لَعَنَ اللهُ مَن ذَبَحَ لغَيرِ اللهِ»، كالذَّبحِ لصَنمٍ أو لِنَبيٍّ مِن أنبياءِ اللهِ أو لِوَليٍّ مِن أوليائهِ، وكلُّ هذا مِن الشِّركِ باللهِ تَعالَى، ولا تَحِلُّ تلك الذَّبيحةُ، سواءٌ كان الذَّابحُ مُسْلمًا أو نَصرانيًّا أو يَهوديًّا، واللَّعنُ: الدُّعاءُ بالطَّردِ والإبعادِ مِن رَحمةِ اللهِ، «ولَعنَ اللهُ مَن سَرَقَ منارَ الأَرضِ»، وفي رِوايةٍ في صَحيحِ مُسلمٍ: «غيَّرَ مَنارَ الأَرضِ»، وهي الَّتي يَتميَّزُ بها مِلكُ كلِّ أحدٍ عن مِلكِ غيرِه، وتَغييرُه بنَقْلِ حُدودِها، ويَفعَلُ ذَلكَ لِيَأخُذَ ما لَيْسَ له مِن مِلْكِ الغَيرِ أو مِنَ الطَّريقِ، «ولَعنَ الله مَن لَعَنَ والِدَه»، أي: تَسبَّبَ في لَعنِه بأنْ يَسُبَّ أبا رجُلٍ ويَسُبَّ أُمَّه فيَسُبَّ المشْتومُ والدَ الَّذي سَبَّه ويَسُبَّ أُمَّه، أو يَكونُ اللَّعنُ لَهما مُباشَرةً، وهو مِن الكبائرِ، وهُو مِن أَشدِّ ما نَهى عنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
«ولَعنَ اللهُ مَن آوَى مُحْدِثًا»، والمُحْدِثُ هو مَن جَنَى على غَيرِه جِنايةً فحَماهُ إنسانٌ وَمنعَ أَحدًا أن يَتعرَّضَ له باستِيفاءِ الحقِّ مِنه، ويَدخُلُ فيه أيضًا مَن جَنى عَلى الدِّينِ بفِعلِ البِدَعِ المُحدِثَةِ فيَحميهِ ويُمَكِّنُ المُبتدِعَ مِن نَشْرِ بِدعتِه مِن غَيرِ أنْ يَتعرَّضَ له أَحدٌ بالتَّأديبِ أَوِ الصَّدِّ عن بِدعتِه. ويَجوزُ فتْحُ الدَّالِ مِن «مُحدَثًا»، ومعناه: الأمْرُ المبتَدَعُ نفْسُه، فإذا رَضِيَ بالبدعةِ، وأقرَّ فاعِلَها ولم يُنكِرْها عليه؛ فقدْ آواهُ، فمَن فَعَلَ ذلك فقدِ استحقَّ لَعْنَةَ اللهِ.
وفي الحديثِ: إبطالُ ما يَخترِعُه الرَّافضةُ والشِّيعةُ مِن قولِهم: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوصى إلى علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه بأسرارِ العِلمِ، وقَواعدِه، وعِلمِ الغيبِ، ما لم يُطلِعْ عليه غيرَه.