باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء، وهو ينوي أنه ليس بحق

بطاقات دعوية

باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء، وهو ينوي أنه ليس بحق

 قالت عائشة: سأل أناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسوا بشيء". قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرها (وفي رواية: فيقرقرها (41) 8/ 218)

في أذن وليه قر (وفي رواية: كقرقرة) الدجاجة". (وفي رواية: "إن الملائكة تنزل في العنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قضي في السماء (وفي رواية: 758 - تتحدث في العنان -والعنان: الغمام- بالأمر يكون في الأرض 4/ 94)، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان 4/ 79)، (وفي أخرى: فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة)، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة [من عند أنفسهم] ".

قَضَى الإسلامُ على كُلِّ مَظهَرٍ مِن مَظاهِرِ الخُرافةِ والتَّلاعُبِ بآمالِ النَّاسِ وآلامِهم، وشَدَّدَ في تَحريمِها، فغَرَسَ في قُلوبِ أتْباعِه أنَّه لا يَعلَمُ الغَيبَ، ولا يَقدِرُ على النَّفعِ والضُّرِّ أحَدٌ سِوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وواجِبُ المُسلِمِ أنْ يَتعَلَّقَ باللهِ وَحدَه، وأنْ يُفَوِّضَ أمْرَه إليه.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المَلائِكةَ تَنزِلُ مِنَ السَّماءِ إلى العَنانِ -وهو السَّحابُ- فتَذكُرُ الأمْرَ الذي قُضيَ في السَّماءِ، وأصلُ ذلك أنَّ المَلائِكةَ تَسمَعُ في السَّماءِ ما قَضى اللهُ تَعالى في كُلِّ يَومٍ مِنَ الحَوادِثِ، فيُحدِّثُ بَعضُهم بَعضًا، فتَستَرِقُ الشَّياطينُ السَّمْعَ وتَختَلِسُه منهم، فتَسمَعُه، فتُوحيهِ إلى الكُهَّانِ؛ جَمعُ كاهِنٍ، وهو مَن يُخبِرُ بالغَيبيَّاتِ المُستَقبَلةِ، فيَكذِبونَ مع الكَلِمةِ المَسموعةِ مِنَ الشَّياطينِ مِئةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنفُسِهم.
وهذا الحَديثُ كان جَوابًا لِسُؤالٍ مِن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها -كما عِندَ مُسلِمٍ-، وهو أنَّ الكُهَّانَ في الجاهليَّةِ، أو قبْلَ تَحريمِ الإسلامِ الاستِماعَ إليهم، كانوا يَتحَدَّثونَ بالشَّيءِ، ويُخبِرونَ الأخبارَ، فتَقَعُ وَفْقَ ما أخبَروا، ويَظهَرُ صِدقُ كَلامِهم، فما تَبريرُ ذلك؟ وكيف يَحدُثُ؟
واستِماعُ الشَّياطينِ لِلسَّماءِ كان قبْلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلَمَّا أرسَلَ اللهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ، مُنِعَ سَماعُ الشَّياطينِ، كما جاءَ في قَولِ اللهِ تعالَى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9].
وقد وَرَدَ النَّهيُ عنِ الذَّهابِ لِلكُهَّانِ، كما عِندَ أحمَدَ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَن أتى عَرَّافًا أو كاهِنًا فصَدَّقَه بما يَقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنزِلَ على مُحمدٍ».
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ مِن سَماعِ كَلامِ الكُهَّانِ والدَّجَّالينَ.