باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه؛ إذا كان النوح من سنته، لقول الله تعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}
بطاقات دعوية
عن أبي موسى الأشعري قال: لما أصيب عمر رضي الله عنه جعل صهيب يقول: واأخاه! فقال عمر: أما علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الميت ليعذب ببكاء الحي"
كانتْ عاداتُ الجاهليَّةِ تسُودُ مُجتمَعَ العرَبِ، وتُسيطِرُ على تَفكيرِهم، فلمَّا جاء الإسلامُ نظَر في تلك العاداتِ؛ فما كان خيرًا قَبِلَه ومدَحه وشجَّع عليه، وما كان شرًّا رفَضَه وذمَّه وحارَبه.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ الصَّحابيُّ الجليلُ أبو موسى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه مَشهَدَ سَكَراتِ الموتِ وحُضورِ أجَلِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه؛ حيثُ إنَّه لَمَّا أُصيبَ وحضرَتْه الوفاةُ، وكان قد طعَنه أبو لؤلؤةَ المجوسيُّ عليه مِن اللهِ ما يَستحِقُّ، جعَل صُهَيبٌ رَضيَ اللهُ عنه يقولُ: "وا أَخاهُ"! وكانتْ تلك مِن النِّياحةِ وعاداتِ الجاهليَّةِ الَّتي نهَى عنها الإسلامُ، فلمَّا سَمِعه عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه ذكَّرَه بحديثِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو أنَّ المَيتَ لَيُعذَّبُ وهو في قبرِه ببُكاءِ الحيِّ مِن أهْلِه عليه، وفِعلِهم عاداتِ الجاهليَّةِ، والمعنى: أنَّ المَيتَ يُعذَّبُ ببُكاءِ الحيِّ إذا كان البُكاءُ مِن سُنَّةِ المَيتِ، أو إذا أَوْصَى به. وذهَب بعضُ العُلماءِ إلى أنَّ العذابَ المقصودَ في الحديثِ هو الألَمُ، أي: إنَّ المَيتَ لَيتألَّمُ ببُكاءِ أهلِه عليه وما يَقعُ مِنهم.
وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: فلَمَّا مات عُمَرُ رضيَ اللهُ عنه، ذَكَرْتُ ذلك لِعائِشةَ رضيَ اللهُ عنها، فقالَتْ: رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، واللهِ ما حَدَّثَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللهَ لَيُعَذِّبُ المُؤمِنَ ببُكاءِ أهْلِه عليه، ولَكِنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: إنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الكافرَ عَذابًا ببُكاءِ أهْلِه عليه، وقالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرآنُ: {وَلَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]؛ فخصَّتِ الحديثَ بالكفَّارِ؛ لأنَّ الكافرين كانوا يُوصون بالنِّياحةِ، بخِلافِ المؤمنينَ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّمثُّلِ بعاداتِ الجاهليَّةِ؛ كالنِّياحةِ ونحوِها.