باب كراهية المغالاة فى الكفن
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبى وائل عن خباب قال إن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرج رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الإذخر »
أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأعمالهم رضا الله سبحانه وتعالى، ولم يسعوا إلى شيء من متاع الدنيا؛ بل ابتغوا الأجر من الله تعالى، فتم بهم نور الله في العالمين
وفي هذا الحديث يخبر خباب بن الأرت رضي الله عنه عن حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؛ ابتغاء وجه الله تعالى لا للدنيا، قال: فوجب أجر المهاجرين على الله، بما أوجبه سبحانه بوعده الصدق، لا وجوبا عقليا بحيث يكون العبد ملزما للرب سبحانه وتعالى؛ إذ لا يجب على الله شيء، تعالى عن ذلك وتقدس في عليائه، وقوله هذا موافق لقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100]
وبين خباب رضي الله عنه أن منهم من مات ولم يأخذ من الغنائم، أو متاع الدنيا التي فتحت على المسلمين بعد ذلك شيئا؛ بل قصر نفسه عن شهواتها؛ لينالها موفرة في الآخرة، فذلك الذي سلم له أجر عمله كله، ومن هؤلاء من نال من متاع الحياة الدنيا، وهم الذين أينعت ثمرتهم فهم يجنون منها
ومن الذين لم يأخذوا من أجورهم الدنيوية شيئا مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي رضي الله عنه، وقد استشهد يوم أحد، قتله عبد الله بن قميئة، ولم يكن يملك إلا نمرة، وهي رداء فيه خطوط بيض وسود، وكانت قصيرة، حتى إنهم عندما جاؤوا ليكفنوه بها لم تكفه، فكانوا إذا غطوا بها رأسه ظهرت قدماه، وإذا غطوا بها قدميه ظهرت رأسه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه، ويضعوا على رجله الإذخر، وهو عشب معروف بطيب الرائحة
وفي الحديث: بيان فضيلة مصعب بن عمير رضي الله عنه
وفيه: أن الكفن إذا ضاق عن الميت، كان تغطية وجهه ورأسه أولى؛ إكراما للوجه، وسترا لما يظهر عليه من تغير محاسنه، وإن ضاق عن الوجه والعورة، بدئ بستر العورة