باب: كراهية طلب الإمارة والحرص عليها 3
بطاقات دعوية
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها. (م 6/ 6
تَولِّي المرءِ للولاياتِ العامَّةِ مِن الأُمورِ الخطيرةِ الشَّأنِ؛ لِما فيها مِن المسؤوليَّةِ عن إقامةِ الحقِّ والعدْلِ بيْن النَّاسِ، ويَترتَّبُ على ذلك تَحمُّلُ الوالي تَبِعاتِ ذلك في الدُّنيا والآخرةِ، وهو ما يُعرِّضُه للخُسرانِ إنْ لم يَقُمْ بواجباتِ الولايةِ على وَجهِها بالعدْلِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ألَا تَسْتَعْمِلُنِي؟» أي: ألَا تَجْعَلُنِي عامِلًا وأميرًا على بَعِض الولاياتِ، فضرَب صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِيَدِه على مَنْكِبِه -وهو مُجتمَعُ رأْسِ العَضُدِ والكتِفِ لأنَّه يُعتمَدُ عليه-، وهو ضَرْبَ لُطفٍ وشَفَقَةٍ، ثُمَّ قال -ناصحًا له-: يا أبا ذَرٍّ، إنَّك ضَعِيفٌ، أي: عن تحمُّلِ مِثلِ هذا العَمَلِ، والظَّاهرُ أنَّه أراد ضَعْفَ الرَّأيِ والتَّدبيرِ، لا ضَعْفَ الجسمِ، أي: إنَّك لا تَستطيعُ أنْ تَتحمَّلَ أثقالَ الولايةِ وتَكاليفَها، وإنَّ الإمارةَ أمَانةٌ ممَّا ائتَمَنَ اللهُ تعالَى بها عِبادَه، فهي مَسْؤوليةٌ عُظمَى، ومُراعَاةُ هذه الأمانةِ -لِكَوْنِها ثقيلةً صعبةً- لا يَخرُج عن عُهدَتِها إلَّا كلُّ قَوِيٍّ، وإنَّ الإمارَةَ يومَ القيامةِ خِزْيٌ -أي: ذُلٌّ وهَوانٌ وحُزنٌ وأسَفٌ- ونَدَامَةٌ يَندَمُ بها، ويَتمنَّى أنْ لوْ لم يَتولَّها، والخِزْيُ والنَّدامةُ يكونانِ في حقِّ مَن لم يكُنْ أهلًا لها وضَعُفَ عن أداءِ حَقِّها ولم يَقُمْ لرَعيَّتِه بما أوجَبَه اللهُ عليه، فيُخزِيه اللهُ تعالَى يومَ القيامةِ ويَفضَحُه، ويَندَمُ على ما فرَّط، «إلَّا مَن أخَذها بحقِّها» وهو الحاكِمُ العادِلُ في رَعيَّتِه، الَّذي يُحافِظُ على حُقوقِهم، ويَرعى مَصالِحَهم، ويَحكُمُ فيهم بشَريعةِ اللهِ، ويَدخُلُ فيه كلُّ مَن وَليَ أمرًا مِن أُمورِ المسْلِمين، فهذا له فضلٌ عظيمٌ، تَظاهَرَتْ به الأحاديثُ الصحيحةُ، كحديث أبي هُرَيرةَ المتَّفَقِ عليه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ..».
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن تولِّي الإمارةِ لِمَنْ يَعجِز عن القيامِ بِحُقوقِها وتَنفيذِ أُمورِها.
وفيه: حَضٌّ لِوَليِّ الأمرِ على القيامِ بحُقوقِ الرَّعيَّةِ.