باب كسب الرجل وعمله بيده

بطاقات دعوية

باب كسب الرجل وعمله بيده

عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه

أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه أوَّلُ الخُلفاءِ الرَّاشِدين، ووَزيرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصاحبُه، ورَفيقُه عندَ هجرتِه إلى المدينةِ المنوَّرةِ، وأوَّلُ مَن أسلَمَ مِن الرِّجالِ الأحرارِ، وهو أكثرُ الصَّحابةِ إيمانًا وزُهدًا، ومِن أحَبِّ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَقَّبَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصِّدِّيقِ؛ لِكَثرةِ تَصْديقِه له.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المُؤمنِينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا تَولَّى الخِلافةَ بعْدَ مَوتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العامِ الحادي عشَرَ مِن الهِجرةِ، قال: إنَّ المُسلمينَ يَعلَمون ما كان يَقومُ به مِن التِّجارةِ قبْلَ الخِلافةِ، ولم يَكُنْ عاجِزًا عن نَفَقَةِ عِيالِهِ مِن مالِه الخاصِّ، ولكنَّه بعْدَ استِخْلافِهِ وانشِغالِهِ بإصْلاحِ أُمورِ المُسْلِمينَ، لمْ يَجِدْ سَبيلًا للتَّفرُّغِ للتِّجارةِ، وأخْبَرَهم أنَّه سيَأخُذُ نَفقةً لنفْسِه ومَن تَلزَمُه نَفقتُه مِن بَيتِ المالِ؛ لأنَّه لَمَّا اشتَغَلَ بأمْرِ المسلمينَ احتاجَ إلى أنْ يَأكُلَ هو وأهْلُه مِن بَيتِ المالِ، وسيَجْعَلُ خِبرتَه وحِرفتَه ومِهْنَته الَّتي يَستَحِقُّ الأَجْرَ عليها في خِدمةِ بَيتِ مالِ المُسلِمينَ، وأَلزَمَ نَفسَه بأنْ يَتَّجِرَ للمُسلِمين في أَمْوالِهم؛ حتَّى يَعودَ عليهم مِن رِبْحِه بِقدْرِ ما أَكَلَ أو أكثَرَ، وهذا على سَبيلِ التَّطوُّعِ مِنه رَضيَ اللهُ عنه، لا لِكَونِه واجِبًا على الإمَام.
ورَوى ابنُ سَعدٍ في الطَّبَقاتِ عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: «لمَّا مَرِضَ أبو بَكرٍ مَرَضَه الَّذي ماتَ فيه، قال: انْظُروا ما زادَ في مالي مُنذُ دَخَلْتُ الإمارةَ، فابْعَثوا به إلى الخَليفةِ مِن بَعدي؛ فإنِّي قدْ كُنتُ أستَحِلُّه، قالتْ عائشةُ: فلمَّا ماتَ نَظَرْنا فإذا عبْدٌ نُوبيٌّ كان يَحمِلُ صِبيانَه، وإذا ناضِحٌ كان يَسْقي بُستانًا له، فبَعَثْنا بهما إلى عُمَرَ، فبَكَى عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، وقال: رَحمةُ اللهِ على أبي بَكرٍ؛ لقدْ أتعَبَ مَن بعْدَه تَعَبًا شَديدًا».
وفي الحديثِ: فَضيلةُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وزُهدُه ووَرَعُه غايةَ الوَرَعِ.
وفيه: فَضيلةُ العَمَلِ والاكتِسابِ لِسَدِّ حاجاتِ المَرْءِ نَفسِه ومَن تَلزَمُه نَفَقَتُهم.
وفيه: دِفَاعُ الشَّخْصِ عن نَفْسِه، ودَفْعُ التُّهْمَةِ ولَو لم تَقَعْ.