باب كيف غسل الميت
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت وضفرنا رأسها ثلاثة قرون ثم ألقيناها خلفها مقدم رأسها وقرنيها.
( حين توفيت ابنته ) : هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة كما صرح به مسلم ولفظه عن أم عطية قالت : " لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( اغسلنها ) : قال ابن بريدة : استدل به على وجوب غسل الميت . قال ابن دقيق العيد : لكن قوله ثلاثا إلخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء ، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد ، لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر ، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل ، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى
فمن جوز ذلك الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة . كذا في النيل ( أو خمسا ) : قال الحافظ : قال ابن العربي في قوله أو خمسا إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع ( أو أكثر من ذلك ) : بكسر الكاف لأنه خطاب المؤنث أي أكثر من الخمس ( إن رأيتن ذلك ) : رأيت بمعنى الرأي يعني إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو خمس للإنقاء لا للتشهي فلتفعلن . وفيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي
قال ابن المنذر : إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار . قاله العيني والحافظ ( بماء وسدر ) : قال ابن التين : هو السنة في ذلك والخطمي مثله ، فإن عدم فما يقوم مقامه كالأشنان والنطرون ، ولا معنى لطرح ورق السدر في الماء كما يفعل العامة . قاله العيني
وقال زين بن المنير : ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها ، قال وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير ، لأن الماء المضاف لا يتطهر به ، وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة ، فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك ( واجعلن في الآخرة ) : أي في المرة الآخرة ( كافورا ) : والحكمة فيه أن الجسم يتصلب به وتنفر الهوام من رائحته ، وفيه إكرام الملائكة قاله العيني ( أو شيئا من كافور ) : هو شك من الراوي أي اللفظين قال ، وظاهره جعل الكافور في الماء ، وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون : إنما يجعل في الحنوط أي بعد انتهاء الغسل والتجفيف قاله الحافظ ( فآذنني ) : أي أعلمنني . قال العيني : هو بتشديد النون الأولى ، هذا أمر لجماعة الإناث من آذن يؤذن إيذانا إذا أعلم ( حقوه ) : بفتح المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في رواية . والحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازا . وفي رواية للبخاري فنزع من حقوه إزاره والحقو على هذا حقيقة ( فقال ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( أشعرنها ) : أي زينب ابنته ( إياه ) : أي الحقو . قال العيني : هو أمر من الإشعار وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان أي اجعلن هذا الإزار شعارها ، وسمي شعارا لأنه يلي شعر الجسد ، والدثار ما فوق الجسد . والحكمة فيه التبرك بآثاره الشريفة انتهى . وفي النيل : أي الففنها فيه لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب والمراد اجعلنه شعارا لها انتهى ( قال عن مالك ) : أي قال القعنبي في روايته عن مالك . قال الخطابي : والحديث فيه أن عدد الغسلات وتر وأن من السنة أن يكون مع أخذ الماء شيء من الكافور وأن يغسل الميت بالسدر أو بما في معناه من أشنان ونحوه إذا كان على بدنه من الدرن والوسخ انتهى
قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم
( قالت مشطناها ) : من مشطت الماشطة تمشطها مشطا إذا أسرحت شعرها قاله العيني ( ثلاثة قرون ) : انتصاب ثلاثة يجوز أن يكون بنزع الخافض أي بثلاثة قرون أو على الظرفية أي في ثلاثة قرون ، والقرون جمع القرن وهو الخصلة من الشعر ، وحاصل المعنى جعلنا شعرها ثلاث ضفائر بعد أن حللوها بالمشط قاله العيني
قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . ( وضفرنا رأسها ) : أي شعر رأسها . قال الخطابي : والضفر أصله الفتل ، وفيه دليل على أن تسريح لحية الميت مستحب انتهى . وقال الحافظ : ضفرنا بضاد ساقطة وفاء خفيفة انتهى
وفي النيل : وفيه استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهي ناصيتها وقرناها أي جانبا رأسها كما في رواية عند البخاري تعليقا ، وتسمية الناصية قرنا تغليب . وقال الأوزاعي والحنفية إنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا
قال القرطبي : وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا أو هو شيء رأته ففعلته استحبابا كلا الأمرين محتمل ، لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا كذا قال
وقال النووي : الظاهر عدم إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له . وتعقب ذلك الحافظ بأن سعيد بن منصور روى عن أم عطية أنها قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية مرفوعا بلفظ : واجعلن لها ثلاثة قرون انتهى ( ثم ألقيناها ) : أي القرون ( خلفها ) : أي الابنة . وفيه استحباب جعل ضفائر المرأة خلفها . وقد زعم ابن دقيق العيد أن الوارد في ذلك حديث غريب
قال في الفتح : وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري وقد توبع رواتها عليها انتهى ( مقدم رأسها وقرنيها ) : بيان للقرون الثلاثة ، والمراد من قرنيها جانبا رأسها
قال الحافظ المزي في الأطراف : والحديث أخرجه البخاري في الجنائز عن قبيصة عن سفيان عن هشام عن أم الهذيل حفصة عن أم عطية قال وقال وكيع عن سفيان ناصيتها وقرنيها وأخرج أبو داود فيه عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية انتهى