باب لا يحل القتال بمكة
بطاقات دعوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم افتتح مكة:
"لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، فإن هذا بلد حرم الله يومخلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، [ولا لأحد بعدي 2/ 95]، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته؛ إلا من عرفها، (وفي رواية: إلا لمعرف 2/ 13، وفي أخرى: إلا لمنشد 3/ 94). ولا يختلى خلاها". قال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخر؟ فإنه [لا بد منه 5/ 98] لقينهم ولبيوتهم. (وفي طريق آخر: فإنه لصاغتنا ولقبورنا، وفي رواية:
ولسقف بيوتنا 3/ 13)، [فسكت، ثم] قال:
"إلا الإذخر". [قال عكرمة: هل تدري ما (ينفر صيدها)؟ هو أن تنحيه من الظل، وتنزل مكانه]
كانتِ الهِجرةُ في بِدايةِ الإسلامِ إلى المَدينةِ فَرْضًا على كُلِّ مُسلِمٍ؛ لِيُقاتِلَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتَّى تَكونَ كَلِمةُ اللهِ هي العُلْيا، فلَمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ في السَّنةِ الثامِنةِ مِنَ الهِجرةِ، وكَسَرَ شَوكةَ صَناديدِ قُرَيشٍ، ودَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ أفواجًا، وأظهَرَ اللهُ المُسلِمينَ على عَدُوِّهم؛ لم تَلزَمِ النَّاسَ الهِجرةُ بعْدَ ذلك، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتحِ مَكَّةَ: «لا هِجرةَ، ولكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا استُنفِرتُمْ فانفِرُوا»، فلم يَبْقَ سِوى نِيَّةِ الجِهادِ المَفروضِ على المُسلِمينَ عِندَ نُزولِ العَدُوِّ، أو إرادةِ الفَتحِ؛ فالهِجرةُ وَجَبتْ لِمَعنَيَيْنِ؛ أحَدُهما: نُصرةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه كان في قِلَّةٍ، فوَجَبَ على النَّاسِ النَّفيرُ إليه لِنَصرِه على أعدائِه، والآخَرُ: لِاقتِباسِ العِلمِ وفَهْمِ الدِّينِ، وكان أعظَمُ المَخُوفِ عليهم مَكَّةَ، فلَمَّا فُتِحتْ مَكَّةُ أمِنَ المُسلِمونَ، وانتَشَرَ الدِّينُ، فقيلَ لِلنَّاسِ: قدِ انقَطَعتِ الهِجرةُ وبَقيَتْ نِيَّةُ المُجاهَدةِ؛ ولذلك قال لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وإذا استُنفِرْتم فانفِروا»، أي: كونوا مُستَعِدِّينَ، فإذا دُعِيتُم إلى جِهادِ عَدُوٍّ فأجِيبوا.
وتَضمَّنَ الحَديثُ بِشارةً مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ مَكَّةَ ستَستَمِرُّ دارَ إسلامٍ أبَدًا؛ لِأنَّه نَفى أنْ يَكونَ هناك هِجرةٌ بعْدَ فَتحِها، وهذا يَدُلُّ على أنَّها لنْ تَعودَ دارَ كُفرٍ مَرَّةً أُخرى؛ إذِ الهِجرةُ لا تَكونُ إلَّا مِن دارِ الكُفرِ.