باب لزوم السنة
حدثنا ابن كثير قال أخبرنا سفيان عن حميد الطويل عن الحسن (كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين) قال الشرك.
كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تخليص أمته من كل ما يعرضها لسخط الله تعالى ويقربها من النار.
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الكبائر محذرا إياهم منها، أو سئل عنها فأخبرهم بها
والكبائر هي: الآثام والذنوب التي توعد الله فاعلها بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب في الآخرة، أو أوجب فيها حدا في الدنيا. وقد ذكر منها صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أربعة؛ فقال: «الشرك بالله» وهو نوعان؛ أحدهما: أن يجعل لله ندا ويعبد غيره من حجر أو شجر أو غير ذلك، والثاني: وهو الشرك الخفي؛ الرياء، وهو: ما يتسرب إلى أعمال القلوب وخفايا النفوس؛ وهذا لا يطلع عليه إلا علام الغيوب
ثم قال: «وقتل النفس» التي حرم الله قتلها، وهي النفس المعصومة بإسلام أو ذمة أو عهد أو أمان، ويستثنى من ذلك القتل قصاصا أو حدا أو ردة
«وعقوق الوالدين» وهو قطع الصلة بينه وبينهما، وعدم البر بهما، وإيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى، قل أو كثر، نهيا عنه أو لم ينهيا عنه، أو مخالفتهما فيما يأمران أو ينهيان، بشرط انتفاء المعصية في الكل
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» أي: أشد المعاصي ذنبا، وأشنعها وأكثرها إثما، ثم بينها فقال: «قول الزور -أو شهادة الزور-»، والزور بوجه عام هو وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول، فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة، فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل، ومنه: لابس ثوبي زور. وكانت من أكبر الكبائر؛ لأنها تجمع بين الكذب الذي هو من أقبح الخصال وبين التسبب في إضاعة حقوق المسلمين؛ فقائل الزور لا يكتم الحق فحسب؛ بل يمحقه ليثبت مكانه الباطل. وقد شك شعبة بن الحجاج -أحد رواة الحديث- أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهادة الزور، أو قال: قول الزور. ورجح أنه قال: «شهادة الزور»، وقد جزم شعبة في موضع آخر في صحيح البخاري بكونه قال: «شهادة الزور».
وذكر هذه الأربع لا ينافي ألا تكون كبيرة إلا هذه؛ فقد ذكر في غير هذا الموضع: السحر، والفرار من الزحف، وزنا الرجل بحليلة جاره، واليمين الغموس، واستحلال بيت الله، وغيرها مما ورد في السنة. ولعل الحاجة وقتها لبيان هذه الأربع هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر عليها. أو لعل هذا ما أوحي إليه وقتها ثم تتابع الوحي بذكر كبائر أخرى بعد ذلك
وفي الحديث: أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، وأن الكبائر دركات بعضها أغلظ في التحريم من بعض
وفيه: عظم حقوق الوالدين
وفيه: التغليظ في تحريم شهادة الزور