باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن
عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء" (2)
كلُّ أمورِ الخَلقِ مُقدَّرةٌ بقَدَرِ اللهِ، وقدْ يسَّرَ اللهُ لِعبادِهِ فِعلَ الأسبابِ التي تُوصِلُهم إلى دَفْعِ المضرَّاتِ والوُصولِ إلى ما فيه مَنفعَتُهم، وشَرَع لهم التداويَ مِنَ العِلَلِ والأمراضِ التي تُصيبُهم، وإنْ كان الشِّفاءُ بيَدِه سُبحانه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصِفُ بعضَ العِلاجاتِ لأصحابِهِ رضِيَ اللهُ عنهم ويَحُضُّ عليها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَا أنزَلَ اللهُ داءً»، يَعني: ما أصاب اللهُ أحدًا مِن عِبادهِ مِن بَلاءٍ، ومَرضٍ نَفسيٍّ، أو جَسديٍّ، إلَّا أنزَلَ وقدَّرَ له شِفاءً، أي: علاجًا يكونُ سَبَبًا في زوالِ هذا المرَضِ. ولمسلِمٍ مِن حديثِ جابرٍ رَفَعَه: «لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصَبْتَ دواءَ الدَّاءِ بَرَأَ بإذنِ اللهِ». ومفهومُه أنَّ الدَّواءَ إذا جاوزَ الحدَّ في الكيفيَّةِ أو الكَمِّيَّةِ، لا يَنجَعُ، ولكِنْ إذا أصاب الحَدَّ اللازمَ المضبوطَ للدَّاءِ برأ بإذنِ اللهِ؛ وذلك أنَّ بعضَ الأدويةِ لا يعلَمُها كُلُّ أحدٍ، كما في حديثِ ابنِ مَسعودٍ عند ابنِ ماجه: «عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه».
وقدِ استَثنى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تلكَ الأمراضِ كِبَرَ السِّنِّ والشَّيخُوخَةَ، كما عند أبي داودَ من حديثِ أُسامةَ بنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: «تَداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَضَعْ داءً إلَّا وَضَعَ له دَواءً، غيرَ داءٍ واحدٍ: الهَرَمِ»، وكلُّ ذلك يدُلُّ على أنَّ التداويَ لا ينافي التوكُّلَ لِمن اعتقد أنَّها تُبرئُ بإذنِ اللهِ تعالى وبتقديرِه لا بذاتِها.
وفي الحَديثِ: الإرشادُ إلى تَعلُّمِ طِبِّ الأبدانِ والأَخْذِ بأسبابِ التَّداوي.
وفيه: بَيانُ رَحمةِ اللهِ بِعبادِهِ، وأنَّهُ كَما أنزَلَ الدَّاءَ أنزلَ له الدَّواءَ.