‌‌باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله3

حدثنا عباس بن محمد الدوري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا حريز بن عثمان، عن سليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: «ما كان يفضل عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم خبز الشعير»: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ويحيى بن أبي بكير هذا كوفي وأبو بكير والد يحيى، روى له سفيان الثوري ويحيى بن عبد الله بن بكير مصري صاحب الليث»

كانتْ حياةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِثالًا في الزُّهدِ وشِدَّةِ الحالِ، مع تَمكينِ اللهِ له وفَتحِه عليه، ولكنَّ الدُّنيا كانتْ في يدِه لا في قَلبِه، وآثَر ما يَبْقى على ما يَفْنى، وضَرَبت أمَّهاتُ المؤمنين زَوجاتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أروعَ الأمثلةِ في الصَّبرِ على البلاءِ، وإيثارِ ما عندَ اللهِ سبحانه وتعالى على ما هو فانٍ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عَنه: "ما كان يَفضُلُ عن أهلِ بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خبزُ الشَّعيرِ"، أي: لم يَكُنْ خبزُ الشَّعيرِ فائِضًا عن حاجَتِهم، بل ربَّما كان أقلَّ مِنها، وهذا الخبزُ مِن أشَدِّ أنواعِ المخبوزاتِ طَعمًا ومَذاقًا وملمَسًا؛ ففيه خُشونةٌ وصلابةٌ، ولا يَستَسيغُه كثيرٌ مِن النَّاسِ، ومع ذلك فقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لا يَجِدُه لِيَشبَعَ منه هو وأهلُه، ولا تَعارُضَ بينَ هذا الحديثِ وما ورَدَ "أنَّه كان يأخُذُ ممَّا أفاء اللهُ عليه مِن بَني النَّضيِر وفدَكٍ قوتَه وقوتَ عيالِه سَنةً، ثمَّ يَجعَلُ ما فضلَ من ذلك في الكُرَاعِ والسِّلاحِ عُدَّةً في سبيلِ اللهِ"؛ لأنَّه لم يَكُنْ يَكنِزُ مالًا، وكان كثيرَ الصَّدَقةِ، وكان الضِّيفانُ تأتيه فيُكرِمُهم بما عنده حتَّى يَنتهِيَ، وربَّما كان هذا حالَهم في وَقتٍ دون وقتٍ، أو في أكثرِ الأوقاتِ.
وفي الحديثِ: بيانٌ لزُهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وأهلِ بيتِه رضِيَ اللهُ عَنهنَّ.