باب ما جاء أن للنار نفسين، وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد5
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمما ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة» قال: «فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة» هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر "
مِن المسلِمين مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ، ولا تَكونُ له سابِقةُ عَذابٍ في النَّارِ، ومِنهم مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بعدَ أن يُحاسَبَ، ومِنهم مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بَعدَ أن يُعذَّبَ في النَّارِ إلى ما شاء اللهُ له أن يُعذَّبَ، ثمَّ يَخرُجُ مِنها، كما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ: "يُعذَّبُ ناسٌ مِن أهلِ التَّوحيدِ في النَّارِ"، أي: يَدخُلُ أُناسٌ مُسلِمون النَّارَ ممَّن ماتوا على عَقيدةِ التَّوحيدِ، وأقَرُّوا بشهادةِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فيُعذَّبون على ما ارتَكَبوه مِن صغائرَ أو كبائرَ، "حتَّى يَكونوا فيها حُمَمًا"، أي: حتَّى يَصيروا فيها مِن شِدَّةِ العذابِ فَحمًا مُحترِقًا، ويَصيرَ لونُهم أسوَدَ، "ثُمَّ تُدرِكُهم الرَّحمةُ"، أي: تَلحَقُهم رحمةُ اللهِ تعالى، "فيُخرَجون"، أي: مِن النَّارِ، "ويُطرَحون"، أي: يُلقَون على أبوابِ الجنَّةِ، قال: "فيَرُشُّ عليهم أهلُ الجنَّةِ"، أي: يَصُبُّون ويُفِيضون عليهم "الماءَ"، وهو ماءُ الحياةِ، "فيَنبُتون"، أي: يَحْيَون ويَنْجُون، "كما يَنبُتُ الغُثاءُ"، وهي ما يَنبُتُ على جَوانِبِ الأنهارِ مِن عُشبٍ في حِمَالةِ السَّيلِ"، أي: ما يَحمِلُه السَّيلُ مِن طِينٍ، فإذا كان فيه حبَّةٌ واستَقرَّت فإنَّها تَنبُتُ بسُرعةٍ، وشبَّه نَباتَهم بذلك لأنَّه أسرَعُ في الإنباتِ، "ثمَّ يَدخُلون الجنَّةَ"، أي: ثمَّ يَكونُ مآلُهم إلى الجنَّةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ سَعةِ رَحمةِ اللهِ تعالى.
وفيه: بَيانُ وُقوعِ الحِسابِ والعَذابِ على بَعضِ المسلِمين في الآخِرَةِ، وأنَّ اللهَ يُخرِجُهم بعدَ ذلك برَحمتِه إلى الجنَّةِ.