باب ما جاء أنه تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن عياش بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي» قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال: «كن كابن آدم»: وفي الباب عن أبي هريرة، وخباب بن الأرت، وأبي بكرة، وابن مسعود، وأبي واقد، وأبي موسى، وخرشة وهذا حديث حسن وروى بعضهم هذا الحديث عن الليث بن سعد وزاد في الإسناد رجلا: وقد روي هذا الحديث عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه
الواجبُ على المُسلمِ أنْ يَجتنِبَ مَواضِعَ الفِتنِ؛ لأنَّه لا أحَدَ يَأمَنُ على نفْسِه منها، والمَعصومُ مَن عَصَمَه اللهُ تعالَى، وقدْ أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه إلى ما يَجِبُ فِعلُه في وَقتِ الفِتنِ، وحذَّرَها مِن سُوءِ عاقِبةِ الانخِراطِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ستَحصُلُ وتَأْتي فِتنٌ على هذه الأُمَّةِ، والمُرادُ بهذه الفِتنِ: الَّتي يَختلِطُ فيها الحقُّ بالباطلِ؛ فلا يُعلَمُ المُحِقُّ فيها مِن المُبطِلِ، ويُقاتَلُ فيها على الدُّنْيا.
«القاعِدُ فيها خَيرٌ مِن القائمِ، والقائمُ فيها خَيرٌ منَ الماشي، والماشي فيها خَيرٌ منَ السَّاعي»، والمَقصودُ بَيانُ عِظَمِ خَطَرِها، والحَثُّ على تَجنُّبِها، والهرَبِ منها، وعدَمِ التَّسبُّبِ في شَيءٍ منها؛ لأنَّ سَببَها وشَرَّها وفِتنتَها تكونُ على حسَبِ التَّعلُّقِ بها؛ فالقاعِدُ يكونُ أقلَّ مِن الماشي، والماشي أقلَّ مِنَ السَّاعي، وهكذا، «ومَن يُشرِفْ لها تَستَشْرِفْه»، أي: مَن يَتطلَّعْ إليها ويَتعرَّضْ لها تَغلِبْه وتُهلِكْه، «ومَن وجَدَ مَلْجأً، أو مَعاذًا فلْيَعُذْ به»، أي: مَن وَجدَ طَريقًا يَتِّقي به المُشارَكةَ في هذه الفِتَنِ فلْيفعَلْ، ولْيَعْصِمْ دِينَه ودُنْياه مِن الخَوضِ فيها.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: الإخْبارُ بوُقوعِ الفِتنِ للتَّحْذيرِ منها، وليَتأهَّبَ النَّاسُ لها، فلا يَخوضوا فيها، ويَسأَلوا اللهَ الصَّبرَ والنَّجاةَ مِن شَرِّها.